باب قول الله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة: ١٩٧]
أي وقت الحج؛ للحج ميقات مكاني وميقات زماني، وفي هذه الباب بيان الميقات الزّماني.
(وقال ابن عمر: أشهر الحج) أي: المذكورة في الآية (شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) قال بعضهم: هذا الذي قاله ابن عمر مذهب أبي حنيفة. وعند الشافعي ذي الحجة وليلة يوم النحر. وهذا سهو منه؛ فإن العشر في قول ابن عمر صفة الليالي؛ أي: عشر ليالٍ لاتفاق النسخ على عدم التاء في عشر، يقال: عشرة أيام وعشر ليال.
فإن قلت: كيف جوّز أبو حنيفة الإحرام في جميع السنة مع مخالفته للآية والحديث؟.
قلت: حمل هذا على الكمال.
فإن قلت: كيف حمل مالك الأشهر على الثلاث، وقال: وقت الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، وكيف يُعقل أن يكون ذو الحجة كله وقتًا؟. قلت: أراد بالوقت وقت أعمال الحج؛ لا وقت الإحرام. قال ابن الحاجب: وفائدته وجوب الدَّم إن أخَّر طواف الإفاضة إلى أن خرج الشهر.
(وقال ابن عباس: من السنّة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج) هذا يدل على أنّه كان يجوز الإحرام في سائر الأشهر؛ كما قاله أبو حنيفة (وكره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان) -بكسر الكاف وسكون الراء- لأنه بعيد يشق عليه، وأيضًا اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وهذا أحدُ قولي الشافعي، واختاره النووي، وبه قال مالك وأحمد، واختار أبو حنيفة أنَّ دويرة أهله أفضل لكونه أكثر مشقة؛ وهو أحد قولي الشافعي، واختاره الرّافعي.