غرضه من هذا الباب إثبات إسناد الفعل إلى العبد تارة حقيقة، وتارة مجازًا.
فإن قلت: قوله: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} مع كون الشرط والجزاء متحدين، معلوم عند كل أحد أنه إن لم يفعل فما بلغ رسالته؟ قلت: لفظ ما عام، أي: بلغ كل شيء أنزل إليك، وانتفاء ذلك يكون بانتفاء فرد ما لما تسمع من الناس إن انتفاء الجزء يوجب انتفاء الكل، وإن كان الحق أن انتفاء الجزء عين انتفاء الكل، وقيل معناه: بلغ ولا تخشَ أحدًا، وهذا وإن كان صحيحًا إلا أنه لا يدفع الإشكال إلا بجعل ما عامة كما شرحناه ولنا بتوفيق الله تحرير وافر في معناه في تفسيرنا "غاية الأماني".
(وقالت عائشة: إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ}[التوبة: ١٠٥] ولا يستخفنك أحد) قال شيخ الإسلام: معناه لا يغرنك أحد بعمله فتظن منه الخير إلا إذا رأيته واقفًا عند حدود الشرع، قلت: إذا لم يقف مع حدود الشرع فلا يكون له حسن عمل، فما معنى قوله: إذا أعجبك عمل امرئ والحق أن غرض عائشة من الأمر بقراءة هذه الآية عند رؤية من يكون ظاهر عمله حسنًا الإيقاظ والتنبيه على أن الحسن الإخلاص في ذلك العمل باطنًا؛ لأن الآية نازلة في المنافقين، أو اقرها أنت في نفسك حذرًا من الوقوع فيما يشبه فعل المنافقين.
(وقال معمر: {ذَلِكَ الْكِتَابُ}[البقرة: ٢]) يريد أن ذلك وقع في موضع هذا، أشير بلفظ ذلك الموضوع للبعيد إلى بعد منزلته، ورفعة محله على سائر الكتب السماوية وموضع الدلالة قوله:({هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: ٢]) فإنه أسند الهداية إلى القرآن مجازًا