فإن قلت: بنو حنيفة كانوا قائلين بالوجوب، ومن قال بوجوب الزكاة تؤخذ منهم قهرًا فكيف سبى أبو بكر ذراريهم؟ قلت: ما أشرنا هناك أن هذا كان اجتهادًا من الصديق، فإنه فهم من قوله:"عصموا دماءهم وأموالهم" أنه كما يجوز قتلهم يجوز سبي أموالهم، يدل عليه قوله:(فإن الزكاة من حق المال). (والله لو منعوني عَناقًا) -بفتح العين- ولد المعز، قال النووي: أخذ العناق في الزكاة إنما يكون إذا ماتت الأمهات في أثناء الحول، وقال مالك: العناق يؤخذ في زكاة الإبل إذا كان الواجب الغنم، وكذا يؤخذ في زكاة الغنم، وفي رواية عقالًا بدلًا عن عناقًا، فقال بعضهم: العقال زكاة العام أي: لو منعوني زكاة عام، والحق أن المراد العقال الذي تربط به أي: ثمنه أو نفسه لأنه تربط به الإبل.
فإن قلت: كيف قلد عمر أبا بكر؟ قلت: لم يقلده بل وافق اجتهادُه اجتهادَه.
باب إذا عرض الذمي أو غيره بسبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصرح نحو قوله: السَّام عليك
التعريض: إمالة الكلام إلى عرض أي: جانب من غير أن يستعمل فيه اللفظ، وليس من الكناية في شيء، وهذا أي: قولهم السام عليك ليس بتعريض؛ لأنهم أرادوا معناه وهو الموت أو السآمة إن روي مهموزًا، بل هو شبيه به.
واختلف العلماء فيمن سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صريحًا أو تعريضًا هل تقبل توبته أصلًا ولا يفصل القول فيه، إن كان ذميًّا يقتل حتمًا عند مالك وأحمد في رواية عن الشافعي، ويعزر عند الحنفية. وإن كان مسلمًا يقتل إن لم يتب، وكذا إن تاب قاله الخطابي وغيره من الشافعية، وهو المنقول عن مالك، والظاهر من النصوص قبول توبته لأنها تجب ما قبلها مطلقًا لا يعارضه حديث.