فإن قلت: أين في الآية الدلالة على الترجمة؟ قلت: في قول موسى: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الكهف: ٧٧] فإنَّه يدل على مشروعيته.
باب الإجارة إلى نصف النهار
٢٢٦٨ - (سليمان بن حرب) ضد الصلح (حماد) بفتح الحاء وتشديد الميم (مثلكم ومثل أهل الكتابين) أي: اليهود والنصارى، المثلُ يُستعمل في الأمر البديع؛ فإن الأمثال إنما تضرب في الأمور الغريبة (من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط) القيراط: جزء من الدينار، قال ابن الأثير: هو نصف عشر الدينار، وأهل الشَّام يجعلونه جزءًا من أربعة وعشرين جزءًا (ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشَّمس على قيراطين فأنتم هم) أي: تلك الطائفة التي عملت من العصر إلى غياب الشَّمس (فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: ما لنا أكثر عملًا وأقل عطاء) بالنصب على الحال، أو الرفع على الخبر بعد الخبر.
فإن قلت: ما بين العصر إلى الغروب ليس أقل مما بين الزوال إلى العصر؟ قلت: أجابوا بأن المراد مدة الطائفتين من الغدوة إلى العصر، وليس بشيء؛ لأن كل طائفة تزعم كثرة العمل على حدة، وقيل: قوله: "أكثر عملًا" إنما هو قول اليهود، "وأقل عطاء" قول النصارى وهذا أَيضًا من ذلك النمط؛ مع أنَّه إفساد لتركيب الكلام؛ وقيل: كثرة العمل لا تقتضي كثرة الزمان، وهذا وإن كان معقولًا إلَّا أنَّه ليس معنى الحديث؛ لأن إلى غاية العمل، فلا بد من العمل إلى ذلك الوقت ليستحق الأجر، وهذا الإشكال كله إنما هو على غير [مذهب] أبي حنيفة ممن يجعل أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثله، وأمّا على [ما] ذهب إليه من أن أوله مصير ظل كل شيء مثليه فلا إشكال، وغاية ما يمكن في هذا المقام لغير أبي حنيفة أن يقال: أراد بوقت العصر الاحتياط، وهو مصير ظل كل شيء مثليه؛ وهو الذي قاله أبو حنيفة.