باب قوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[الأنبياء: ٤٧]
الموازين جمع ميزان، واختلف في معنى الميزان هو حقيقة أو مجاز عن الحساب السوي من غير حل أن ينقص من عمل أحد شيئًا، وقيل: حقيقة الميزان له لسان وكفتان كسائر الموازين، يوزن أعمال العباد، عن ابن عباس: تجعل الأعراض في صورة الأجسام. قال صاحب "الكشاف": ويجعل الله الحسنات جواهر بيضاء مشرقة، والسيئات سوداء مظلمة وقيل: الموزون صحف الأعمال، وهذا هو الظاهر من حديث البخاري لما تقدم من حديث البطاقة مع السجلات، واختلف أيضًا هل لكل عمل ميزان، أو ميزان واحد؟ استدل من قال بالأول بقوله تعالى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}[الأعراف: ٨] والظاهر هو الثاني، والجمع باعتبار آخر إما تعظيمًا، أو نظرًا إلى الأجزاء.
(وإن أعمال بني آدم وقولهم يوزن) هذا يدل على أن الكفار أيضًا توزن أعمالهم، ويدل عليه أيضًا قوله تعالى:{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}[الأعراف: ٩] فإنها في شأن الكفار، وقيل لا توزن إذ ليس في مقابلته في الكفة الأخرى شيء، كيف وقد قال تعالى:{فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}[الكهف: ١٠٥] وأجيب: أن هذا مجاز عن سفالة محله وهونه عند الله تعالى: ويعني وزن عمله أنه يوضع شأنه في كفة، ولم يوجد له حسنة توضع في الكفة الأخرى، وتجعل حسناته من البر والعفو وسائر الخيرات في كفة، ولكن لما لم يكن معها الإيمان الذي هو الأصل يرجح كفره.
قلت: وهذا الثاني هو الصواب يدل عليه لفظ {خِفْتِ} لأنه لا يكون إلا إذا كان في مقابلة شيء، (القسط مصدر المقصد) يريد أنه حذف منه الزوائد. قال الجوهري: قسط قسوطًا إذا جار وعدل عن الشيء. قال ابن الأثير: الهمزة فيه للسلب كما في قولهم: أشكاه. أي: أزال شكايته. وما يقال: القِسط بالكسر: العدل، وبالفتح: الجور فلم أجده.
{لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[الأنبياء: ٤٧]) قال صاحب "الكشاف": اللام فيه للاختصاص كقولك: جئت لخمس خلون من الشهر. وقيل: لأهل يوم القيامة، والقول بأنها للعلة ليس بظاهر، (والقسطاس: العدل بالرومية) بضم القاف وكسرها، ولا يقدح في كون القرآن عربيًّا، لأن المراد أنه عربي الأسلوب، أو لما عرب صار عربيًّا.