حبوط العمل عبارةٌ عن بطلان ثوابه. من حَبِط بالكسر: بَطَل. أصلُهُ ذهابُ الماء من الحوض بحيث لا يعود (ما عَرَضْتُ قولي على عَمَلي إلَّا خَشِيتُ أن أكون مُكَذِّبًا). -بكسر الذال- لأنَّه إذا لم يوافق قولُه عملَه، فكان القولُ كاذبًا غير واقع. ويُروى بالفتح؛ كأن غيره يُكَذبُهُ إذا رأى قوله مخالفًا لفعله (وقال ابنُ أبي مُلَيْكَة) -بضم الميم على وزن المصغر- هو عُبيد الله بن عبد الله، الأول مُصَغَّر والثاني مكبَّر. وأبو مُلَيكة جدّه. أدرَكَ ثلاثين من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كلُّهم يخافُ النفاقَ على نفسه. ليس المراد من النفاق الكفرَ الذي يُضَادُّ الإيمانَ، بل العملَ الذي يَشُوبه الرياء؛ وذلك [مع] بعد مقام الصّحابة من ذلك.
(ويُذكَرُ عن الحسن) المنقول عن إبراهيم وعن ابن أبي مُلَيكة، وعن الحسن تعليقًا.
وإنَّما ذكر في الأولين بلفظ قال. وفي الآخر بلفظ يذكر تَفَنُّنًا في العبارة. وقيل: إنَّما جزم في الأولين وأتى بصيغة التمريض في الآخر بجزمه باتصال الإسناد في الأولين دونه. قلتُ: هذا قول مشهور بين الشارحين، لكن هذا ليس قانونًا كليًّا؛ لأنَّه قد يَذكُرُ الحديثَ المسند بلفظ: يذكر. كما سننبه عليه في موضعه إن شاء الله تعالى. قال العاقي: إنَّما يأتي بصيغة التمريض إذا اختصر الحديثَ أو أتى به بالمعنى (ما خافه إلَّا مؤمن ولا أَمِنَهُ إلَّا منافقٌ) الضميران للحبوط؛ لأنَّه المقصود الذي ترجم له، أو للنفاق الذي سبق ذكره في قول ابن أبي مليكة، وجعلُ الضمير في الموضعين لله لا وجهَ له، يدل عليه ما رواه معلَّى بن زياد عن الحسن:"ما قضى مؤمن ولا تقي إلَّا وهو يشفق من النفاق" ولو كان الضمير لله، ولا احتياج إلى جعله من حذف الجار وإيصال الفعل، لأنَّ خاف يتعدَّى بنفسه. قال تعالى:{فَلَا تَخَافُوهُمْ}