باب: سؤال جبريل النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة
إضافة السؤال إلى جبريل من إضافة المصدر إلى الفاعل (ثم قال: جاء جبريل يعلمكم دينَكم) فجعل ذلك كلَّه دِينًا، إسناد التعليم إلى جبريل إسناد الفعل إلى السبب؛ لأنَّه بسؤاله تَعَلّموا من شرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد تقدم منا مرارًا أن الإسلام والدين والإيمان متحدة صدقًا، وإن اختلفت مفهومًا. واشتقاق الساعة من السَّوع مصدر ساعت الإبل إذا ذهبت إلى المرعى، لأنها تطلق على كل جزء من أربعة وعشرين جزءًا من الزمان، وصارت من الأعلام الغالبة للوقت الذي تقوم فيه القيامة لوقوع أمر عظيم في وقتٍ يسيير. وقيل: لطولها، تسمية الشيء باسم ضدّه كقولهم في اللديغ: سليم. وفي المَهْلَكَةِ: مفازة (وما بيَّن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبد القيس) أي: من شرائع الإيمان. يجوزُ أن يكون عطفًا على سؤال جبريل داخلًا تحت الترجمة، وأن يكون دليل الترجمة كالآية المذكورة بعدها، فإنها دليلٌ لذلك.
فإن قلتَ: لو كان من الترجمة لذكَرَ حديث وفد عبد القيس دليلًا عليه، كما أورَدَ حديثَ سؤال جبريل. قلتُ: حديث جبريل دليلٌ عليه أيضًا؛ لاشتمال كل منهما على الإيمان بالله وشرائع الإسلام من الصَّلاة والصيام والزكاة.
فإن قلتَ: سلمنا هذا فكيف يكون دليلًا على سؤال جبريل ولم يذكر في الباب حديث وفد عبد القيس؟ قلتُ: سيذكره مرارًا فأشار بما بيَّن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - للوفد إليه على دأبه من الاستدلال بما في دلالته خفاء.