الحمد لله الذي أوقد من مشكاة النبوة مصابيحَ الشريعة الغرّاء، فأخمَدَ بها نيران الشرك، وأزهق الملة العوجاء، وأوضحَ سنن الملة الحنفية السمحاء بأنوار السنن الزهراء، فأصبح وجهُ الدين قمرَ الصيف في ليالي الشتاء.
أحمُدُه على ما فصَّل لنا مُجمَل الكتاب بمحكم السنن، ومنَّ علينا بذلك، فَيَا لها منّةٌ بين مِنَن، وأشكرُهُ على أسبغِ آلائه وأجزل عطائه؛ محمدِ المنعوت في التوراة والإنجيل.
بشرى المسيح ودعوة الخليل، طه وياسين حبيب ربّ العالمين، عليه من الصلوات ما يليقُ بشريف رتبته، وعلى شيعته وأسرته الذين فازوا بشرف صحبته من المهاجرين والأنصار، لا سيما الأخْتَانُ والأصهار، وعلى من اقتفى أثره ممن نقل لنا آثارَهُ وسِيَره، اللهم احشرنا في زُمرتهم، وإن لم نكن من عِدَّتهم.
وبعدُ:
فإن العلم في الجملة أشرفُ الصنائع، وأنفس البضائع، لكن فنونَه تفاوت تفاوُتَ الأرض والسموات، وعلمُ الحديث من بينها في أسنى المراتب وأعلى المقامات، كيف لا وهو حليةُ أكمل موجود على الإطلاق، وأفضلُ مبعوث بالاتفاق، فمن سَمتْ به همتُه، وأرتعت به قرونته إلى أن تحلّى بتلك الحِلَى، وتجرَّع في تحصيلها طعم الألا، فيا له من رجل يفرّض في شأنه الجسد لاعتلائه غاربَ المجد، وبلوغه غاية الأمد، إن بارز الأقران فحُجتُه قويةٌ، أو قارن الإخوان فأحسنُهم طويةً، يَرْشَحُ ظاهره بما حَوَاهُ الباطنُ، سيّان عنده المتحرك والساكنُ، نعم هو الوارثُ من أفضل الرسلِ أفضلَ الفضائل، ولذا كان في الناس كالنبي في بني إسرائيل، ولولا استيلاءُ الجهل والحُمْق لسُطِّر بالتبر على الحدق، فكان خير