فإن قلت: هذا رد حسن مطابق للواقع فلم ذكره في موضع الإنكار؟ قلت: لأنه لم يجزم به، وإنما بنى الأمر على الاحتمال، وفيه رمز على أن السِّمَن في الإنسان من علامات الجهل وقلة الفطنة، قيل: أشار البخاري بهذه الترجمة إلى إثبات السمع لله. قلت: قد تقدم في كتاب التوحيد في باب إثبات السميع والبصير ما فيه كفاية، وقيل: أشار إلى أنه يُنزل الكلام متى شاء، ولا يخفى بُعدُه، فإن بعد ثبوت الإرادة له تعالى هذا معلوم. والحق أنه أشار إلى عموم علمه بالخفيات. ألا ترى إلى آخر الآية {وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت: ٢٢].
باب قوله تعالى عَزَّ وَجَلَّ:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن: ٢٩]
الشأن: الأمر والحال، ومعنى قوله:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} مع أن التقدير أزلي إنه يبدي ما في علمه وهي شؤون يبديها لا شؤون ينشئها، يسعد ويشقي، يغني ويفقر، واستدل على ذلك بالآية والحديث، أما الآية فإنه قوله: ({مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}[الأنبياء: ٢] دل على أنه ينزل الكلام في الوقائع والحوادث ما يتعلق بها. قال بعضٌ: أراد البخاري الفرق بين المخلوق والمحدث فإن كلامه تعالى يوصف بكونه محدثًا، ولا يوصف بكونه مخلوقًا. وهذا الذي قاله ليس بشيء، فإن الحدوث هو الوجود بعد العدم.
وقد بسطنا الكلام على مسألة كلام الله قريبًا في باب لا تنفع الشفاعة عنده. ومحصله: أن ما قام بذاته تعالى قديم لا يوصف بالنزول والحدوث، هو الذي يتلى في الصلاة. والمتأخرون منهم من قال: بحدوث اللفظ، ومنهم من قال: اللفظ قديم وهو المتلو، والتلاوة حادثة، وهذا مختارنا، وهو المروي عن السلف، القرآن كلام الله القديم المحفوظ في الصدور، المتلو بألسنتنا، فعلى هذا الوصف بالحدوث، فبالنظر إلى تعلقه. (وإن حَدَثَهُ لا يشبه حدث المخلوقين) لأن أفعاله مخلوقة، وكذلك أفعال العباد، والنسبة إليهم باعتبار الكسب {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١] أي لا ذاتًا، ولا صفة، ولا فعلًا، ولا اسمًا تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.