أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم) أي: تتكلم؛ حذف منه إحدى التاءين. قوله:"صدورها" بالنصب وهو الموافق لقوله: "ولا تحدث فيها نفسه"؛ وبالرفع، وهو الموافق لقوله تعالى:{وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}[ق: ١٦].
فإن قلت: هذا يدل على أن سيئات القلب لا يؤاخذ بها؟ قلت: تحقيق الكلام في هذا المقام أن حديث النفس على ثلاثة أقسام: ما يخطر بالقلب من غير قصد ولا يؤاخذ به في ملة. والثاني: أن يخطره المرء باختياره ولا يصمم عليه، وهذا لا يؤاخذ به أحد من هذه الأمة خاصة. والثالث: أن يصمم على فعله ويجزم به، ثم يمنعه عنه مانع من الموت وغيره وهذا يؤاخذ به؛ لما تقدم في الحديث من قوله:"إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" ولقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج: ٢٥].
فإن قلت: فما وجه قوله: "ما لم تعمل أو تكلم"؟ قلت: أجاب بعضهم على أنه محمول على غير المصمم الموطن نفسه عليه. وهذا ليس بشيء؛ لأن الشارع جعل الغاية العمل والتكلم فدخل فيه المصمم وغيره؛ بل الجواب أنه لا يؤاخذ بما قصده مثلًا كشرب الخمر والزنا؛ وإنما يؤاخذ بفعل القلب؛ أي: بالعزم، لا بما عزم عليه، ولا شك أن إثم هذا دون ذلك. وحديث الأعمال بالنيات تقدم في أول الكتاب وبعده في مواضع.
فإن قلت: أين مناسبة حديث الوسوسة بالباب؟ قلت: جعله دليلًا على عدم المؤاخذة في النسيان لعدم النية وعزم القلب فيها.
باب إذا قال لعبده: هو لله ونوى العتق والإشهاد في العتق
٢٥٢٩ - قوله: والإشهاد في العتق، عطف على قوله: إذا قال.