باب قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: ٩٦]
غرضه في هذا الباب: إثبات أن كل شيء يطلق عليه اسم الموجود فهو مخلوق سوى ذاته وصفاته، وإن أطلق عليها اسم الشيء ولكن خارج عن هذا العموم بسائر الدلائل القائمة على العدم من الحوادث. أما غير القرآن فظاهر لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى، وأما القرآن القائم بذاته تعالى سواء قيل: هو المعنى أو اللفظ القديم القائم به تعالى على ما نقلنا قبل من المذهبين لأهل الحق فلا إشكال أيضًا، وإنما الخطأ فيما يقرأ زيد وعمرو، وقد أشرنا أيضًا أن الحق أن المعرف قديم والقراءة حادثة. وأكثر المتأخرين على أن الكلمات الملفوظة حادثة وإن كانت قرآنًا قطعًا وكلامًا لله تعالى، واستدل على ذلك بقوله:({وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: ٩٦]). والاستدلال تام سواء جعلت ما مصدرية أو موصولة، لأن المراد من المصدر: الحاصل بالمصدر فإنه شيء لا نفس المصدر المعبر عنه بالإيقاع فإنه أمر اعتباري صرح به المحققون ({إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر: ٤٩]) بتقدير فعل: أي: خلقنا كل شيء من الأشياء بقدر تقتضيه الحكمة، ولا يجوز أن يكون خلقناه صفة كل شيء لفساد مفهومه، لأن معناه: كل شيء موصوف بأنه مخلوق لنا بقدر.
فإن قلت: فعلى هذا ما معنى قوله للمصورين أحيوا ما خلقتم؟ قلت: الخلق بمعنى التصوير، وإنما عبر عنه بلفظ الخلق تهكمًا، أو باعتبار الصورة على زعمهم. ألا ترى إلى قوله من آخر الباب (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذَرّةً) كيف نفى عنهم الخلق على أبلغ وجه، وذلك أن الخلق عبارة عن الإيجاد من العدم.
{ألَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}[الاعراف: ٥٤]) أي لا لغيره تعالى وتقدس. قيل: الخلق: المخلوقات، والأمر: الكلام وقيل: لفظ كن الذي به يوجد الأشياء. {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل:٤٠]. وقال صاحب "الكشاف" في معنى قوله: {ألَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}[الأعراف: ٥٤] له خلق الأشياء والتصرف فيها.