فإن قلت: الاستهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر، فكيف صدر الآية بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}[المائدة: ١٠١]؟ قلت: الخطاب للمؤمنين تحذيرًا عن مثل فعل أولئك، أو خوطبوا بناءً على ادعائهم الإيمان لهم كما تقول لمن يلحن في الإعراب ويزعم أنَّه نحوي يا نحوي لا نحو في الإعراب.
فإن قلت: روى الترمذي أنها نزلت في حجة الوداع حين سئل عن وجوب الحج: أكلَّ عام؟ فقال:"دعوني ما تركتكم"؟ قلت: أشرنا مرارًا إلى جواز تعدد أسباب النزول. وروي أن سبب النزول سؤالهم عن البحيرة والوصيلة، وقيل: سؤال المشركين أن يجعل لهم الصفا ذهبًا.
باب قوله:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ}[المائدة: ١٠٣]
قال ابن الأثير: كانوا إذا نتجت الناقة وتابعت بين عشر إناث يسيبونها لا تركب ولا يحمل عليها وما ولدت بعد ذلك بحَّروا أذنها، أي: شقوه وسيبوها كأمها، فالأم السائبة، وتلك بحيرة. والوصيلة والحام فسرها في الحديث. والمائدة أصلها مفعولة، أي: الإسناد فيها مجاز كما في {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}[الحاقة: ٢١] هذا ما قاله أبو عبيدة. وقال الجوهري: المائدة: الخوان ما دام عليها طعام (والمعنى ميد بها صاحبها) أي: ميل (قال ابن عباس: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ}[آل عمران: ٥٥]: مميتك) تمسك به بعضهم بأنه مات ثم رفع، وليس كذلك؛ لأن الواو لا تدل على الترتيب، وإنما قدم التوفي على الرفع لئلا يتوهم أن برفعه إلى السماء ينجو من الموت، هذه الآية في سورة آل عمران.
قال شيخنا: وكان بعض الرواة ظنّ أنها في هذه السورة فألحقها بها وبعده لا يخفى،