وهو كان مع أمّ المؤمنين في فراش. ومن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - مباشرةُ المرأة وهي حائض، فكيف وهي طاهر؟! وحُمل الوضوء على أنه كان تجديدًا، الأصل خلافه، وأبعد منه ما يقال: إن الاستدلال يمكن أن يكون بفعل ابن عباس بدليل قوله: فصنعتُ مثلَ ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن مماثلته صفة إنما هي في الوضوء. والكلامُ في القراءة مع الحدث.
باب: مَنْ لم يَرَ إلا مِنَ الغشي المُثْقِلِ
الغشي: بفتح الغين المعجمة وسكون الشين، ويروى: بفتح الغين وكسر الشين وياء مشدّدة. وهو مرضٌ يزول معه العقل والقدرة، وهو على قسمين: إما مثقل وهو الإغماء الذي ذكر الفقهاء أنه ناقضٌ للوضوء. واستدل البخاري بحديث أسماء على عدم انتقاض الوضوء به، فإنها كانت في الصلاة ولم تذكر أنها قطعت الصلاة وذكرت أن الغشي تجلاها. فعُلم من هذا أن الغشي إذا لم يكن مثقلًا بحيث يزيل العقل والقدرة كالنوم لا ينقض الوضوء. هذا ما قالوه. وعندي في هذا نظرٌ، إذ لم يأتِ في روايةٍ أنها كانت تصلي. بل جاءت وعائشة تصلي، فسألتها عن شأن الناس، ثم وقفت زمانًا طويلًا، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الركعة الأولى البقرة، وفي الثانية آل عمران. وهذا الوقوف لا يدل على أنها كانت في الصلاة، إذ ربما قامت لتسمع خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الصلاة كما هو روايته في الباب من الحديث. وعلى هذا يسقط الإشكال الوارد على أنها كيف حَلّت وكاءَ القِرْبة وصَبّت الماء على رأسها، فإن هذا فعل كثير يقطع الصلاة.
فإن قلت: قول البخاري: من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقِل بطريق الحصر ما وجهه؟ وأسباب الحديث لا تنحصر في الغشي المثقِل؟ قلتُ: الحصر إضافي، أي: من الغشي المثقِل لا من الغشي غير المثقل.
١٨٤ - (قال ما من شيء كنث لم أَرَهُ إلا ورأيتهُ في مقامي هذا حتى الجنة