قال بعض الشارحين: فإن قلت: ما الفرق بين هذا الباب والذي قبله؟ قلت: الأول فيمن أدرك من الوقت قدر ركعة، وهذا فيمن أدرك من الصلاة ركعة. قلت: وصوابه العكس؛ وذلك أنه روى ذلك الحديث في باب من أدرك من العصر سجدة فليتمه، وذلك صريح في أنه شارع في الصلاة؛ إذ لا معنى للإتمام إلا إذا كان شارعًا فيها. والتحقيق أنّ المراد هنا إدراك الوقت على ما ذكره الفقهاء من أنّ الكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق، والحائض إذا طهرت، والصبي إذا بلغ؛ وقد بقي من الوقت قدر ركعة، يجب عليه قضاء تلك الصلاة.
فإن قلت: قول الفقهاء في هؤلاء: إن الصلاة تجب وإن بقي من الوقت قدر تكبيرة؟ قلت: أشرنا في باب إدراك العصر: أن ذكر الركعة باعتبار أنها الغالب؛ إذ ما دونها يعسر ضبطه. قيل: الظاهر أنّ هذا أعم من قوله: من أدرك من العصر سجدة والأولى أن تكون اللاّم هنا للعهد، ويؤيده أنّ كلًّا منهما من رواية أبي هريرة. قلت: هذا لا يصح؛ لأنه يخص هذا الحكم بصلاة العصر، فلا يعلم حكم سائر الصلوات، وإنما أفرد الشارعُ العصرَ والصبح بالذكر لاتصالهما بالوقت المكروه، ثم عمم الحكم، فليس هذا من قبيل المطلق والمقيد. قال بعض الشارحين: قال أبو حنيفة: من أدرك الإمام في الجمعة قبل السلام صلّى ركعتين؛ قيل: لقوله: "إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعَون؛ وأتوها وأنتم تمشون، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا" فما جواب الشافعي حيث قال: إذا لم يدركه في الركوعِ يصلي أربعًا؟ قلت: حجة الشافعي أنه إذا لم يدرك ركعة من الجمعة لم يدرك شيئا منها، ومن لم يدرك شيئًا منها صلى أربعًا. وقال الآخر: الفرق للشافعي بين الجمعة وسائر الصلوات أنّ الجماعة شرط في الجمعة دون غيرها؛ فتأمل وتعجب! والحق أن الشافعي إنما