بريئًا من الذنوب؛ وهذا إنما هو فيما يكون حق الله معلوم من القواعد.
وقد روى ابن ماجه عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه، وكذا البيهقي: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل في حجة الوداع بعرفة ربه تعالى غفران ذنوب أُمَّته، فأجابه فيما بينه وبين الله، فألحَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السؤال، فقال:"يا ربّ أنت قادرٌ على إرضاء خصومهم" فلم يجبه تلك الليلة، فلما وقف يوم العيد بمزدلفة بالمشعر الحرام أجابه الله إلى ذلك السؤال، فتبسَّم، فسألوه عن ذلك، فأخبرهم، وأن تبسُّمَه إنما هو لكون إبليس لما علم بذلك حث التراب على رأسه، ودعا بالويل.
وهذا إن شاء الله تعالى واقع؛ لأنه داخل تحت المشيئة التي شملت دون الشرك رأفة من الله بعباده، وقد سلف منا تحقيقُ هذه المسالة؛ وهو: أنَّ حقوق العباد لا بدّ من الوفاء بها، وإيصالها إلى المظلوم لا محالة، ولكن لا يلزم أن يكون من حسنات الظالم؛ بل من خزائن رحمته يوصل إليه مقدار ما كان يستحقُّه في ذمة الظالم، ولكن هذا إذا تعلقت مشيئته، ألا ترى إلى سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرَّب -تعالى وتقدَّس- في أن يُرضي خصومه. هذا الذي يجب اعتقاده على كل مسلم. وله شواهد من الأحاديث في البخاري، منها ذلك الذي قتل تسعة وتسعين، ثم قتل تمام مئة، ثم تاب إلى الله فتاب الله عليه. قال شيخنا أبو الفضل ابن حجر: حديث الباب من أقوى الشواهد لحديث عباس بن المرداس.
وههنا نكتة، وهي: أن الآية فيها ذكر الفسوق والرَّفث والجدال، وحُذِفَ في الحديث ذكرُ الجدال؛ لأن الإنسان قلَّما يسلم على نوعِ جدال، لا سيما مع الخدم والحمّال، وهذا أيضًا من ألطاف الله بعباده.