أُخَر بعيدةً، ونَقَل السُّهيلي عن سنن الحارث بن أسامة مرفوعًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيَّن وَجْهَ الشَّبه، وقال:"كما أن النخلةَ لا يَسْقُطُ ورقُها، كذلك المؤمن لا تسقط دعوتُهُ". وهذا محمولٌ على أن الله تعالى إما أن يعطيه ما مسألة، وإما أن يدخر له في الآخرة، أو في العاقبة ما هو أنفع له، وإلا فكم من شيء يسأله الإنسانُ ولا يحصُلُ له.
فإن قلتَ: غرضُ البُخاريّ إثباتُ عدم الفرق بين هذه الألفاظ قراءةً وسماعًا. وما ذكره ليس فيه دلالة على قراءة المحدث، بل كلّها سماعات. قلتُ: قال بعضُهم: حيث نَقَل مذهب الاتحاد من غير رَدٍّ، وغير ذكر المخالف أشعَرَ بأن مَيْلَهُ إلى عدم الفرق. قلتُ: هذا كلامُهُ لا طائل تحته؛ فإن المحققين من أهل هذا الشأن نقلوا أن مذهبَهُ عدمُ الفرق، فالوجه: أن يكون في أحاديث الباب دلالةٌ على ذلك. فالحقُ أن قول ابن مسعود تارةً سمعتُ، وتارةً حدّثنا، دلَّ على عدم الفرق بينهما. وقول أنس: يرويه، وكذا قول ابن عباس، وقول أبي هريرة: يرويه عن ربكم. يحتمل السماع من الله، والقراءة عليه. أما السماع فظاهرٌ. وأمَّا القراءةُ فكما في قوله: رأيتُ رَبِّي في أحسن صورة، فقال لي: يا محمدُ فيمَ يختصمُ الملأ الأعلى؟ قلتُ: في الكفارات والحدود". فهذه قراءةٌ منه، ولمّا عبّر بلفظ الرّواية عما يحتمل الأمرين صحّ أنَّه لا فرقَ عنده، وإلا لَعُيِّن المراد. وأما حدّثنا ابن عمر ففيه دلالةٌ على أن لفظ التحديث يقال في القراءة والسماع، لأنَّ قوله "حدثوني" معناه القراءة، وقولهم: حدّثنا. فيه معنى السماع. هذا تحقيق المقام.
باب: طرح المسألة على أصحابه ليختبرَ ما عندهم من العلم
الاختبار: افتعال من الخبرة، وهي المعرفة ببواطن الأمور والاطّلاع عليها.
٦٢ - (خالد بن مَخْلَد) بفتح الميم (إن من الشجر شجرةً لا يسقُطُ ورقُها، وإنَّها مَثَلُ المسلم) في قوله: "لا يسقُطُ ورقُها" إشارة إلى وجه الشبه على ما قدمنا في الباب الذي قبله من رواية السهيلي في مسند الحارث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كما أنها لا يسقط ورقُها كذلك