يقال: أحصره المرض وحصره منعه عن قصده (وقال عطاء: الإحصار من كل شيء يحبسه) وهذا الذي قاله عطاء هو قول ابن مسعود والكوفيين، وذهب سائر الأئمة إلى أن الإحصار عن الحج والعمرة مخصوص بالعدو، ولأنّ الآية نزلت في الحديبية لما صدَّ المشركون رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن البيت، وأجاب الكوفيون بأن العبرة بعموم المعنى لا بخصوص السبب، وكل مانع منع فهو في حكم العدو لأن الغرض عدم الوصول، وهذا الذي قالوه كلام حسن لو لم يقم دليل على خلافه، وهو الحديث الذي رواه البخاري عن ضباعة بنت الزبير، لما اشتكت المرض قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قولي: اللهم محلي حيث حبستني" إذ لو كان المرض من الإحصار لم يكن لهذا الشرط وجه، وقد روى ابن الأثير في النهاية:"المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف" وكذا رواه مالك في الموطّأ (قال أبو عبد الله: حصورًا: لا يأتي النساء) يشير إلى ما في الآية في وصف يحيى صلوات الله [عليه]، قال ابن الأثير: فعول بمعنى المفعول؛ لأنه حبس عن الوقاع، وهذا سهو منه؛ فإنّ ذلك عيب يُصان عنه الأنبياء؛ بل هو فعول بمعنى الفاعل، أي: ترك النساء اختيارًا، واشتغالًا بالعبادة.