المسحُ على الخف، وهؤلاء إنَّما مسحوا على الرجل لشدة الاستعجال كيف اتفق، ولذلك خَصَّصَ الأعقابَ بالذكر. وفي الحديث دلالةٌ على جواز رفع الصوت بالعلم. قال ابنُ عُيينة: مررتُ بأبي حنيفة وأصحابه وقد ارتفعتْ أصواتهُم بالعلم، فقلتُ له في ذلك، فقال: دَعْهم، لا يتعلمون إلَّا كذلك لا سيّما في موضع الحاجة كالوعظ والخُطْبة.
باب: قول المحدِّث أخبرنا وحدثنا
(قال الحُميدي) -بضم الحاء على وزن المصغر المنسوب- هو عبدُ الله بن الزُّبير، شيخُ البُخاريّ. نقل عنه يقال لأنَّه سمعه مذاكرةً (كان عند ابن عُيينة) بضم العين على وزن المصغر (حدّثنا، وأخبرنا، وأنبأنا وسمعتُ واحدًا) قال ابنُ الصلاح والعراقي: هذا مذهبُ البُخاريّ وآخرين من المشايخ، وعليه معظمُ أهل الحجاز والكوفيين والزهري. وقال الشَّافعي ومسلم: لا يقول حدّثنا إلَّا إذا سَمِعَهُ من شيخه.
قال ابنُ الصلاح: وخير ما يقال في هذا المقام: إنَ هذا اصطلاحٌ؛ إذ بيانُهُ لغةً عَنَاءٌ. ومن خَصَّ التحديث بالسماع فَلِقُوّةِ إشعاره بالمنطق والمشافهة. ثم اختلفوا في أقوى وجوه التحمّل، هي القراءة على الشَّيخ أو السماع منه، فذهَبَ أبو حنيفة وبعضُ السلف إلى ترجيح القراءة على السماع منه، ورُوي هذا عن مالك.
قال الشَّيخ ابنُ الصلاح: والصحيحُ أن السماع على الدرجات وكذا قال العراقي، وقد بان لَكَ أن المرادَ من المحدّث في قول البُخاريّ باب قول المحدث؛ هو رواي الحديث، لا المحدث لغةً. وكيف يصحُّ لغةً حدّثنا فيما إذا كان الراوي هو القارئ على الشَّيخ، أو ضرورة للبخاري في بيان المحدث لغة، وفد نقلت أيضًا عن ابن الصلاح أنَّ هذا أمرٌ اصطلاحي.
(وقال ابن مسعود: حدّثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق) أي: الذي يَصْدُق في
الحديث مع الخَلْق، وما يقال له كله صدق من عند الله، سواء كان بواسطةٍ أو بدونها، منامًا كان أو يقظة، وقيل: المصدق من عند الله وهو معنًى ظاهر، إلَّا أن اللغة لا تُساعده. (وقال شَقيق) -بفتح المعجمة- يكنى أبا وائل (عن عبد الله) هو ابنُ المسعود حيثُ أُطلق من غير نسبة (قال النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - كلمةً) أي: كلامًا أو قضية (وقال حُذيفة) -بضم الحاء على وزن المصغر