للنساء، إلا أن فيه إشارةً إلى أنه من وظائف الرجال. وقد رَوَى أبو يعلى عن أنس مرفوعًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهاهُن (فإن كانت صالحة قالت: قدموني) لأنها شاهدت القبر الذي هو روضة من رياض الجنان (وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها) الويل هو الهلاك، وهذه الكلمة يقولها كل من وقع في بلية، كان لم يقصد معناها، وكان الظاهر: يا ويلتي. ولكن تحاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إضافة الويل إلى نفسه بياء الإضافة، وإن كان في نفس الأمر الإضافة إلى الميت إلا أن في الصورة إضافة إلى المتكلم. وقيل في توجيه ذلك: لما أبصَرَ الميت نفسَه غير صالحة نفر منها، فجعلها كأنها غيره. وأنت خبير بأن هذا شيء لم يخطر بخاطر الميت، وهو في شغل شاغل عن هذا التدقيق على أن الله تعالى قد حكى عن الكفار:{يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ}[الكهف: ٤٩] و {يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (٢٨)} [الفرقان: ٢٨].
(ولو سمعه الإنسان لصعق) قال ابن الأثير: الصعقُ: الغشي ويطلق على الموت، وهذا من ذلك.
باب: السرعة بالجنازة
(وقال أنس: أنتم مشيعون فامشوا بين يديها وخلفها وعن يمينها وشمالها) العلماءُ في المشي مع الجنازة ثلاث فِرَق: فرقة قالوا بما قاله أنس. وقال آخرون: يمشي أمامها. وهم مالك والشافعي وأحمد، المشاة أمامها والركبان خلفها. وجه ذلك أن من مشى مع الجنازة كالشافع له. ودأبُ الشافعي أن يتقدم المذنبَ. وقال أبو حنيفة ومن وافقه: يمشي خلفها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من تبع جنازة" ولأن النظر إلى الجنازة عبرة. والكلام في الأفضلية لا الجواز.