مصغر زرع (العبدُ إذا وضع في قبره وتولى وذَهبَ أصحابه) تنازع الفعلان في الفاعل، فأيهما أعمل أضمر في الآخر (إنه يسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان) وفي رواية الترمذي: "أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر وللآخر: النكير، أعينهما كالفدور، وأنيابهما مثل صياصي البقر"(وأما الكافر والمنافق يقول: لا أدري كنتُ أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريتَ ولا تليت) كان القياس: تلوت؛ لأنه من التلاوة، إلا أنه أبدل الواو ياءً لازدواج مع دريت. قال الخطابي: هكذا رواه المحدثون والصواب: آليت من الألو وهو القدرة والاستطاعة. وكذا قاله ابن الأثير. قلتُ: لا وجه لتخطئة روايةٍ اتفق عليه المحدثون. والتلاوة مع الدراية أوفق مما قالاه. والمعنى لا أنك دريت ما قاله العلماء، ولا كنت منهم. والكلام يحتمل الخبر والإنشاء.
وفي الحديث دلالة صريحةٌ على عذاب القبر. والروح عند أهل الحق جسم لطيف هو المعذَّب حقيقةً ولا ينافي تفريق الأجزاء. وقد يقال: إنه يتعلق بالجزء الأصلي الذي بقي معه من أول العمر إلى آخره، وهو الذي يركب منه الجسم في النشاة الأولى. ومنه يركب في النشأة الأخرى. وفي رواية البخاري ومسلم: أن ذلك عجب الذنب. وقيل: تعلقُ الروح بالجسم تعلق عقلي، فإن النفس الناطقة مجردة ليست بحاتة في البدن. وهذا مختار الغزالي والراغب والقاضي أبي زيد.
(ثم يضرب بمطرقة بين أُذنيه فيصيح صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين) هما الجن