عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا قَالَ «أَطْوَلُكُنَّ يَدًا». فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ.
ــ
سين مهملة (عن الشعبي) -بفتح الشين- أبو عمرو، عامر الكوفي (عن عائشة: أن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قُلن للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أيتنا أسرع لحوقًا بك) أي: في الموت (قال: أطولكن يدًا) أراد بطول اليد الصدقة؛ من إطلاق المحل وإرادة الحال، أو على طريق الاستعارة التصريحية، والطول ترشيح، وإطلاق اليد لعطاء الصدقة مشهور، يقال: لفلان عليَّ يد، ولبني فلان علينا أياد. (فأخذن قصبة يذرعنها) وفي رواية: فأخذوا، من إطلاق أحد الضدين على الآخر؛ لأن ذرع الأشياء من أفعال الرّجال، فهمن من قوله - صلى الله عليه وسلم - طول اليد حقيقته (فكانت سودة أطولهن يدًا، فعلمنا بَعْدُ أن طول يدها الصدقة) في لفظ الحديث بعض خفاء؛ فإن المتبادر أنَّ أول من ماتت سودة؛ وليس كذلك اتفاقًا بين أهل الحديث والسير، فإنّ أول من مات منهن زينب، فإنها ماتت في خلافة عمر، وأما سودة فإنها ماتت في إمارة معاوية. فالصواب أنّ الضمير في: طول يدها الصدقة، رجع إلى المصدقة، وكذا في قولها:(وكانت أسرعنا لحوقًا به) أي: المصدقة.
وفي لفظ الحديث دلالة على هذا لمن تأمله؛ إذ لو كان الضمير لسودة لكان حق العبارة أن يقال: كانت سودة أطولهن يدًا، فكانت أسرع لحوقًا به، فقولها: فعلمنا بعد أن طول يدها الصدقة، صريح في أنّ اللاحقة ليست سودة، فسقط ما تكلفه بعضهم من أن الحاضرات في هذه الروايات كانت بعض نسائه، وسودة أولاهنّ موتًا؛ على أنه مخالف لسائر الروايات.
قال النووي في تهذيب الأسماء عن عائشة، قالت: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن باعًا" فكنا إذا اجتمعنا نمد أيدينا في الجدار نتطاول حتى توفيت زينب ولفظ مسلم جاء على ظاهره من غير خفاء.