للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَسَكَتَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقِيلَ لَهُ مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا يُكَلِّمُكَ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ. قَالَ - فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ «أَيْنَ السَّائِلُ» وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ. فَقَالَ «إِنَّهُ لَا يَأْتِى الْخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَاّ آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ - أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِى يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». طرفه ٩٢١

ــ

الخير بالشرِّ) -بفتح الهمزة والواو العاطفة على مقدر هو: مدخول الهمزة؛ أي: أقول هذا، ويأتي الخير بالشر: ظن أن ما أنعم الله به على المؤمنين من الدنيا لا يكون سببًا للشرِّ، وغفل عن وجه صرفه في الحق والباطل.

(إن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم) ضرب له مثلًا يشاهده هو وغيره، يقال: ألَمَّ بكذا: نزل به (إلا آكله الخضر) أي: الدابة التي تريع في الصحراء، والخضر: -بفتح الخاء وكسر الضاد- نوع من البقول، ليس من جيدها ومختارها، فلا تأكل منه الدابة فوق العادة (أكلت حتى إذا امتدَّت خاصرتاها) الخاصرة: الموضع المنخفض من آخر الأضلاع (ثلطت) - بالثاء المثلثة- أي: ألقت السرقين الرقيق؛ كما هو المتعارف أيام الربيع (ورتعت) أي: اتسعت في المرعى (وأن هذا المال) إشارة إلى الجنس (خضرة حلوة) وصفه بأحسن الألوان والطعوم؛ على طريق الاستعارة المكنية المخيلة، والتأنيث باعتبار أنواع المال، واعلم أنه ضرب مثلين في هذا الحديث بما هو معروف عندهم مشاهد؛ كشفًا عن المال المحمود والمذموم فالمفرط في جمع الدنيا المانع من صرفها في حقها؛ كالدابة التي أفرطت، فإما أن تموت؛ أو تشارف على الموت، وأما الذي يأخذ من الدنيا بقدر الحاجة، وما فضل من حاجته قدمه لآخرته؛ فهو كآكلة الخضر، التي تمتعت بالربيع أحسن تمتع من غير آفة (ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة) بأنه لم يصرفه في حقه كما تقدم في مانع الزكاة؛ يكون ماله شجاعًا أقرعَ يقول: أنا مالك، أنا كنزك.

<<  <  ج: ص:  >  >>