العرب سعودًا كثيرة، وفي المثل: بكل وادٍ سعدٌ. إشارةً إلى الكثرة. وهؤلاء أخوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضاعًا منهم حليمة السعدية أمُّه رضاعًا. وهم أفصَحُ العرب. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أفصَحُ العرب بيدَ أني من قريش، ورضعتُ في بني سعد". وكأنّ ضمامًا ذكرهم تذكيرًا لرسول [لله -صلى الله عليه وسلم-] بسابق حقهم عليه.
فإن قلتَ: لم يذكر الحج. قلتُ: قد مَرَّ أن وفود العرب كان سنة تسع بعد حج أبي بكر، ولم يكن الحج فرض كذا قيل. وليس بصواب لوقوع الحج في رواية مسّلم، وقيل: أو لأنه لم يكن ضمامٌ من أهل الاستطاعة. وليس بشيءٍ؛ لأنه رسولُ مَنْ وراءه من قومه. قال ابن الصلاح: وفيه دليل على صحة إيمان المقلد. قلتُ: لا دلالة فيه؛ لأن المقلد الذي فيه الخلاف هل يقبل إيمانه؟ ليس في مقابلة من يقدر على الاستدلال. وليس المراد بالاستدلال ترتيب المقدمات على طريقة أهل المنطق، بل المراد به انتقال الذهن من الأثر إلى المؤثّر. قال التفتازاني: فعلى هذا لا يتصور أن يكون أحدٌ من أهل الأمصار والقرى، ومن نَشَأَ بين المسلمين في الجملة مقلدًا، وإنما يتصوّر أن يكون نشأ في شاهقٍ من الجبل، ولم يتفكر في ملكوت السماوات والأرض، ثم أخبره وصدّقه بمجرد الإخبار من غير تفكر.
فإن قلتَ: كيف آمن من غير وقوف على معجزة منه؟ قلتُ: معجزاته كانت قد تواترت عندهم، فلذلك لم يسأله إلا عن شرائع الإسلام. واعلم أن الإيمان به لا يتوقف على إظهار المعجزة، وكم مؤمنٍ به من غير طلب معجزة كالصديق وأبي ذرٍ، وذلك أن المعجزة تصديق من الله لمن ينكر رسالته.
وإنما لم يروه عنه موصولًا، لأنه يرويه عن سليمان بن المغيرة وليس على شرطه، وليس في الحديث دلالةٌ على طهارة أبوال الإبل، لأنه ليس فيه أنه بَالَ الجملُ، فسقَطَ استدلالُ ابن بطال على ذلك.
(رواه موسى) هو ابن إسماعيل شيخ البخاري (وعلي بن عبد الحميد) الأزدي المعني (عن سليمان) ابن المغيرة (عن ثابت) -بالثاء المثلثة-البناني -بضم الباء- نسبةً إلى بُنانة،