(انطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة بعد ما ترَجّل وادَّهن) أي: سرح شعره، يقال: رجل شعره فهو مترجل. قيل: كان خروجه يوم الخميس، وقيل: يوم الجمعة، والأكثرون على أنه يوم السبت (فلم ينه عن شيءِ من الأردية والأُزر إلا المزعفرة) أي: المصبوغ بالزعفران (التي تَردع على الجلد) أي: ينقص -بفتح الياء والدّال، وبضم الياء وكسر الدّال لغتان- قال الجوهري: ويروى بالغين المعجمة أيضًا بمعناه. وفي هذا القيد إشارة إلى أن القليل لا بأس به. (استوى على البيداء) أي: استعلى؛ وهو الشرف الذي أمام ذي الحليفة، وهو في الأصل الفضاء مطلقًا، فاللام فيه للعهد (وقلّد بُدْنه) -بضم الباء وسكون الدال- جمع بدنة، ويُروى بلفظ الجمع المفرد. قال ابن الأثير: يطلق على البعير ذكرًا كان أو أُنثى، وعلى البقرة؛ لكن بالإبل أشبه.
قلت: الآن لا يفهم أحدٌ منه إلا الإبل، وإنما غلب هذا الاسم على ما ساق للهدي؛ لأنهم كانوا يسمنون الهدي، فاشتق له من البدانة وهي: الجسامة اسم. وتقليدها: جعل القلائد في عنقها إشعارًا بأنها هديٌ.
(ولم يحل لأجل بدنه، لأنه قلَّدها) أي: جعل عليها علامة الهدي، ومن ساق الهدي لا يحل إلا بعد بلوغ الهدي محله (وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم يقصروا، ثم يحلوا) أي: أصحابه الذين لم يكن معهم الهدي (ومن كانت معه امرأة فهي له حلال) لأنه فرغ من أعمال العمرة، وهذا شأن كل متمتع إلى يوم القيامة.