ليوطئ الكلام كأنه قال: ألا أخبركم؟ قالوا: أخبرنا [....](أما أحدهم فآوى إلى الله) مقصور أي: رجع والتجأ إلى الله، لازم. وقد جاء متعديًا كقوله في الحديث:"لا قَطْعَ في ثَمَرٍ حتى تؤويه الجرين" وفي الحديث أيضًا: "لا يأوي الضالة إلاّ ضال". قال الأزهري: لغةٌ فصيحة. قلتُ: كفاها فصاحةً تكلّمَ سيدُ الفصحاء بها (فآواه الله) قال القاضي: الأشهر فيه المدّ، وفي الأول القصرُ، وإن كان في كل منهما الوجهان، لكن ابن الأثير لم يقل: الوجهان إلا في الأول، وهو ظاهرُ كلام الجوهري؛ لأنه قال: آوى فلانٌ إلى منزله، وآويته بالمد، وأويته بالقصر (وأما الآخر فاستحيا فاستحيا اللهُ منه) قد تقدم في كتاب الإيمان أن الحياء غريزة في الإنسان تمنعه من ارتكاب ما يلام به وهو من الأعراض النفسانية التي يستحيل اتصافُ الباري تعالى به، فالمراد لازمه وهو ترك العقاب والإكرام والعلاقة اللزوم الذي أشرنا إليه، وإنما ذكره بلفظه مشاكلة.
ومنهم من قال: فإن قلتَ: ما العلاقة بين المعنى الحقيقي والمجازى؟ قلتُ: اللزوم. ثم قال: فإن قلت: هذا من أيّ أنواع المجاز؟ قلتُ: من باب المشاكلة فالقول ما أشرنا إليه من أنّ العلاقة هو اللزوم، والتعبيرُ بلفظ الاستحياء للمشاكلة لوقوعه في مجاورة استحياء الرجل. ألا ترى أن قوله تعالى:{لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا}[البقرة: ٢٦] ليس فيه مشاكلة مع بقاء المعنى المجازي المستند إلى اللزوم، ونظيره قوله تعالى:{يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}[البقرة: ١٥] بعد قوله تعالى حكايةً عن قول المنافقين: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة: ١٤].
(وأما الآخر) بفتح الهمزة والخاء أفعل التفضيل في الأصل، ولكن اتسع فيه فأطلق على كل واحد من الشيئين أو الأشياء، ولذلك أطلقه على الثاني أيضًا (فأعرَضَ فأعرَضَ اللهُ عنه) معنى أعرض الله: عدم اللطف به، وكونه في معرض سخطه، لأنه ترك ذلك المجلس الذي حقه أن يسعى إليه مشيًا على القدم.