(فإنّ الله أنزله في كتابه) قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة: ١٩٦]، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- سنة للناس غير أهل مكة، قال الله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: ١٩٦]).
هذا الحديث ظاهر فيما ذهب إليه أبو حنيفة مِنْ أن أهلَ مكة لا متعة لهم ولا قِران؛ وليس ذلك منقولًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ بل استدل عليه ابن عباس بقوله تعالى:{لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: ١٩٦] والأئمة الثلاثة أن ذلك إشارة إلى وجوب الهدي وظاهر الآية مع الأئمة الثلاثة؛ لأن سوقَ الكلام إنّما هو في تفضيل الواجب على التمتع من الهدي والصلاة.
فإن قلت: ذلك، يُشار به إلى البعيد، فهو ظاهر فيما قاله ابن عباس؟ قلت: لا دلالة في ذلك؛ لأن: تلك، أيضًا يشار به إلى البعيد، وقد يشير به إلى الصوم الذي هو أحد الواجِبَيْن على المتمتعين، وذكر: ذلك، إنما هو بعد: تلك.
والمرادُ بـ:{حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} مَنْ بمكةَ ودونَ مسافةِ القصر منها من كل جانب. هذا مذهب الشافعي وأحمد. وقال مالك: أهل مكة. قال الطحاوي: وعن مالك مكة وما حولها من غير المناهل. قال النووي: التمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ من أعمالها، ثم يحج في ذلك العام؛ ولذلك قال في هذه الأشهر.
قال بعض الشارحين: فإن قلت: ما فائدة هذا القيد؟ وهل يقال لمن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج، ثم حج في أشهره: إنه تمتع؟. قلت: نعم؛ وهذا الذي قاله لا يساعده فقه ولا لغة؛ أمّا الفقه فقد نقلناه؛ وأما اللغة قال الجوهري: متعة الحج الانتفاع بها. وقال ابن الأثير:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} أي: التنفع بها، بأن حلّ منها قبل الإحرام بالحج، وإذا كان خارج أشهر الحج أي انتفاع يكون فيه؟!.
قال أبو الفضل ابن حجر: قوله: فمَن تمتع في هذه الأشهر، ليس للقيد؛ لأنّ العمرة