لذلك (حُميد بن عبد الرحمن) على وزن المصغر (سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[يقول:] من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) أي: يعطيه الفهمَ في الدين من فقِه -بكسر القاف- إذا فهم.
فإن قلت: كيف ترجم على ما أسنده في الباب؟ قلت: أراد بالترجمة الحكم، وبالحديث الذي أسنده دليل ذلك الحكم فالمذكور في الترجمة ليس مذكورًا من حيث إنه حديث، بل هو كسائر التراجم الدالة على حُكْمٍ من الأحكام، وبهذا سَقَطَ ما يقال: إن هذه الترجمة حديث مرسل والمرسل إذا اتصل به إسناده بعده يكون مسندًا لا مرسلًا، وإنما كان ساقطًا، لأن ذلك إنما يكون في تقديم المتن على السند لا في مثل هذه التراجم.
(وإنما أنا قاسمٌ واللهُ يعطي) الحصر فيه إضافي بدليل قوله: (والله يعطي) أي: إن المعارف الإلهية أبلغها على وجه العموم، ولكن تأخذ الأفهام منها على قدر القرائح والفهوم؛ فإن القابليات بحسب الفطرة متفاوتة، ويجوزُ أن يكون المراد إعطاء الأموال والأرزاق؛ فإن المعطي هو الله، وإنما يَضَعُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حيث أُمر.
(ولن تزالَ هذه الأمة) أراد طائفةً من أمته، كما جاء في سائر الروايات (قائمة على أمر الله) أي: دينه الذي شرعه. واستعمل فيه على دلالةً على كونهم عالين على الخصم محيطين بجوانب هذا الأمر، بحيث لا يصل إليه كيد الأعداء. وقد فسّر هذا المعنى في حديث آخر بقوله:"يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدولُهُ، ينفون عنه تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"(١). ولما فسر الأمر بمعنى الشرع، فلا حاجة إلى أن يقال: إنما اكتفى بالأمر عن ذكر النهي، لأن النهي في المعنى أمرٌ لأنه كفّ النفس، أو اكتفاء كما في قوله:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[النحل: ٨١](حتى يأتي أمر الله) أي: بقيام الساعة، أو قضاؤه والمحققون على أن أمر الله هنا يراد به الريح الذي يقبض روح كل مؤمن على وجه الأرض، والمعنى أن قيامهم بأمر الله ينقطع عند قيام الساعة، فإنها لا تقوم إلا على شرار الخلق، كما جاء في رواية مسلم: "لا تقومُ الساعة حتى لا يقال في