قال بعضُ الشارحين: أقول لا بُدّ من مقدرٍ في الكلام يتعلق به لفظ: وبعد. والمناسب أن يقدر: تَفَهموا بمعنى الماضي، فيكون لفظ: تَسَوّدوا -بفتح التاء- ماضيًا أيضًا. ويحتمل أن يكون من التسويد المأخوذ من السواد أي: بعد أن يُسَوِّدوا لحيتهم في كبرهم. هذا كلامه. وقد فهم أن قول البخاري: وبعد أن تسودوا من تمام كلام عمر، فوقع في هذه الأشياء الركيكة التي تمجها الأسماعُ.
٧٣ - (الحُميدي) -بضم الحاء على وزن المصغر- المنسوب (قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة (قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا حَسَدَ إلا في اثنين).
فإن قلتَ: وَضَعَ البابَ للاغتباط، وهو ضدّ الحسد؛ لأنه تمني زوال نعمة الغير وحصولها لَكَ؟ قلتُ: أراد بالحسد: الاغتباط، بقرينة قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
فإن قلتَ: أيّ نكتة في العدول إلى المجاز من الحقيقة؟ قلت: المبالغة في ذلك الاغتباط حتى كأنه يبلغ به الحسد. وقيل: الحسدُ نوعان: منه ما هو جائزٌ كالواقع في الحديث هنا نظيره الكذب، فإنه قد يباح وليس بشيءٍ، لأن تمني زوال العلم عن المسلم أو المال. وحصوله لك مما لا يُسَوِّغُهُ عاقلٌ متدين، فكيف يطلقه الشارعُ؟ وقيل: هو من قبيل: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}[الدخان: ٥٦] وهذا أيضًا من ذلك النمط، لأن الشارع حَثَّ عليه ورغّب فيه، فكيف يرغب في شيء لا وجود له؟ وكيف يعقل الاستدلالُ حينئذٍ على الترجمة بالحديث؟ وقد اتفق هؤلاء على أنه لا يعقل في هذين الأمرين الحسدُ. وهذا ظاهر؛ فإنه لو تمنّى زوال العلم عن غيره. وحصوله له كان أقبحَ أنواع الحسد.