بضم الباء على وزن المصغر (عن أبي بُرْدَة) -بضم الباء وسكون الراء- وهو عامر (عن أبي موسى) هو عبد الله بن قيس، نُسب إلى جده الأعلى أشعر بن يشجب القحطاني (مثلُ ما بعثني اللهُ به من الهدى والعلم، كمثل الغيثِ الكثير أصاب أرضًا) المثل هو القول المشبه يضربه لمورده من غير تَغَيُّر في الألفاظ، ويقال له عند البلغاء: المثل السائر، وليس المراد به ذلك، بل الشأن والصفة الغريبة التي تشبه ذلك المثل السائر في الغرابة (فكان منها نقيَّة) بالنون والقاف بعده ياء. ومعناه: الظاهرة الخالصة مما يضر بالنبات، كما في بعض الأراضي الشديدة البرد أو الحرّ، أو غير ذلك. ويدل على هذا رواية مسلم "طيبة" بدل "نقية" وحكى السفاقسي عن الخطابي: ثغبة -بثاء مثلثة وغين معجمة ساكنة ومتحركة- وهي الغدير الذي يجتمع فيه الماء في أعالي الجبال، ويروى أيضًا: نَقْعة -بفتح النون وسكون القاف بعدها عين مهملة- وهي الموضع الذي ينتقع فيه الماء وهذا قريبٌ من المعنى الثاني.
(قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير) الكلأ: -مقصور- هو نبات الأرض، سواء رطبه ويابسه، والعشب: الرطب خاصة. قال صاحب "المطالع": هذا يدل على أن رواية الثغْبة -بالثاء المثلثة- تصحيفٌ، لأن الثغبة لا تنبت. قلتُ: قد فسرت الثغبة بالغدير، وشأن الغدير أنه كلما نقص ماؤه نبت على مواضعه الكلأ، ولا يُرى مَرعىً أحسن منه لوجود الماء، والكلام في موضع واحد (وكانت منها أجادبُ أمسكتِ الماء، فنفع الله الناس بها، فشربوا وسقوا وزرعوا) الأجادبُ -بالجيم والباء- كذا رواية البخاري ومسلم. قال ابن الأثير: هي صلاب الأرض التي لا تنبت من الجَدْب -بالدال المهملة- وهو القحط، جمع الأَجْدُب على وزن أنْمُل جمع جَدْب، كأَكْلُب وأكالب في جمع كَلْب. وقال الخطابي: هذا تصحيف، بل الرواية: أجارد بالدال جمع جُردة -بالضم- وهي الأرض المتجردة. كذا قاله الجوهري. وقد ذكرنا أن رواية البخاري ومسلم أجادب، فلا وجه لحمل نقل الثقات على الخطأ بعد ظهور المعنى كما شرحناه.