تكنى أم يحيى ولم يُعلم اسمُها. قلتُ: جاء في بعض الروايات: تزوجت زينب بنت أبي إهاب، وقيل: اسمها غنية. ذكره السهيلي في "روضة الأنف".
(فأتتْهُ امرأة فقالت: إني قد أرضعتُ عُقبة، والتي تزوَّجها) كان الظاهر أن تقول: أرضعتك، إلا أنه التفات في غاية الحُسْن؛ لأن الخطاب يسوء المخاطب، أو أنها لما جاءت عقبةَ خاطبتْ غيرَه من الناس.
(فقال لها عُقبة: ما أعلمُ أنكِ أرضعتني، ولا أخبرْتِني) يروى الفعلان بدون الياء بعد التاء على ما هو الأصل، ومع الياء الحاصلة من إشباع الكسرة.
قال بعضُ الشارحين: ولا أخبرتني عطف على ما أعلم. وإنما اختار في:"ما أعلم "، المضارع، وفي:"أخبرتني"، الماضي؛ لأن نفي العلم حاصلٌ بخلاف نفي الإخبار، فإنه كان في الماضي فقط. وهذا سهو؛ فإن عُقْبةَ نَفَى العلمَ والإخبارَ في الماضي؛ إذ لو علم أو أخبرته لم يتزوجها. والصواب: أن عدم العلم مستمر في الحال حاصل دون عدم الإخبار؛ فإنه واقع في تلك الحالة.
فركب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة) قوله: بالمدينة، حال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أي: حال كونه مقيمًا بالمدينة (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كيف وقد قيل؟) هذا ظاهر في أنه لم يكن منه حكمٌ بقول المرضعة وحدها كما ذهب إليه الإمام أحمد في روايةٍ، وأصرح منه قوله:(ففارَقَها عقبةُ) إذ لو كان حكمه بالتفريق لأجل الرضاع، لم يحتج إلى فراق الزوج.
وإنما كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك النكاح، لأن شأن الفروج الاحتياطُ فيها، وأيضًا مع هذا الوهم لا تطيب العشرةُ (ونكحتْ زوجًا غيرَهُ) اسمُ هذا الزوج ضُرَيب، مصغر ضرب، فائدة هذا الكلام الدلالة على أن الراوي قد أحاط بالواقعة علمًا كما ينبغي.
فإن قلت: ما الفرقُ بين هذه الترجمة وبين ما تقدم من الخروج لطلب العلم؟ قلتُ: هذا في المسألة الضرورية والحادثة اليومية، وذاك في طلب علم ليس عنده استكمالًا.