للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالعَبْدُ المَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ.

ــ

فإن قلت: اليهود الذين كفروا بعيسى، هل يدخلون في هذا الحكم؟ قلت: لا لأن من كفر بنبي فهو كافر بكل الأنبياء.

(والعبدُ المملوك إذا أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليه) قَيَّد العبد بالمملوك، ليتعين لفظ المولى للسيد، لأن لفظَه مشترك بين السيد والعبد. ونكَّر الرجل وعرَّف العبد، تفننًا في العبارة، والمسافة بين النكرة والمعرفة بلام الجنس قريبه، وأتى بلفظ الجمع في المولى ليعلم أن العبد المشترك، إنما يحصل له الأجران إذا وفى بحق كل واحد من الموالي، والمراد بحق الله: الأحكام العامة بين الأحرار والعبيد، كالصلاة والصوم والكفّ عن المناهي.

فإن قلتَ: يلزم أن يكون مؤمن أهل الكتاب، وهذا العبد الَّذي هذا شأنه، أفضل من أكابر الصحابة؟ قلت: كذلك، لكن من هذا الوجه، ولا محذور فيه؛ لأن لهم الفضل من جهاتٍ أخرى.

ورَوَى الطبراني في "الأكبر" و"الأوسط" عن ابن عباس: "إن العبد يدخل الجنّة قبل مولاه بسبعين خريفًا، فيقول مولاه: يا ربّ، هذا كان عبدي؟ فيقول الله تعالى: بلى ولكن جازيته بعمله، وجازيتُك بعملك". وروى الإمام أحمد عن أبي بكر الصديق "أن أول من يَقْرَعُ بابَ الجنّة المماليك إذا أحسنوا فيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم وبين مواليهم".

(ورجلٌ كانت عنده أَمَةٌ يَطَؤها فأَدَّبَها فأحسَنَ تأديبَها، وعَلَّمها فأحسَنَ تعليمَها) المراد بالوطء: التمكّن منه، سواء صدر منه بالفعل أو لا، وفائدة ذكره الدلالة على أن ذلك التأديب والعلم والإعتاق، كان لوجه الله؛ لأن ما يتعلق بهوى النفس كان حاصلًا له.

فإن قلت: ما الفرقُ بين التأديب والتعليم؟ قلت: التأديب: الحمل على محاسن الأخلاق، فهو من مقدمات تعليم الأحكام، وإنما آثر في الإعتاق ثَمَّ، لأن الإعتاق يتراخى عن التأديب والتعليم، أو إشارة إلى تراخي رتبة الإعتاق؛ إذ لا عبادةَ أفضلُ منه، ولذلك قال الفقهاء: لو أوصى يصرف ثلث ماله على أقرب القربات تصرف إلى إعتاق الأرقاء.

(فله أجران) أعاده لطول الفصل، ولأن كثيرًا من الناس يستنكف نكاح أمته، خَصَّه بالذكر ترغيبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>