للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ» [الحديث ٩٩ - طرفه في: ٦٥٧٠].

ــ

من أسعدُ الناسِ بشفاعتك؟) السعادة ضدّ الشقاوة، مأخوذ من الساعد لأنه مظهر القوة، والمراد بها في الحديث: الإعانة على النجاة من غضب الله، والشفاعة: من الشَّفع ضد الوتر؛ لأن الشفيع يضمّ نفسَه إلى نفس المشفوع له في السؤال عن التجاوز، ويكون في الأمور الدنيوية أيضًا، والمشفِع -بكسر الفاء - من يقبل الشفاعة، وتفصيل الشفاعة وكمية عدادها وما يختصّ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك سيأتي في موضعه إن شاء الله.

(لقد ظننتُ يا أبا هريرة أَنْ لا يسألني أحدٌ أول منك) برفع "أولُ" صفة "أحدٌ"، وبالنصب على الحال. قال أبو البقاء: وإنما جاز وقوع الحال عن النكرة، لأنها في سياق النفي، وهو اسم تفضيل استعمل بمن كأنه قال: أقدم منك أو أسبق. قال الجوهري: إذا جعلتَهُ صفةً فلا تصرفه، صماذا جعلته غير صفة صَرَفْتَهُ. وما يقال: إنما نصب؛ لأنه في حكم الظرف لغوٌ من الكلام.

(أسعدُ الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه) الشكُ من أبي هريرة، والخُلُوص: الصفاءُ عن الغش، والمراد بقول: لا إله إلا الله: أعمّ من القول اللساني والقلبي. قال الشاعر:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جُعل اللسانُ على الفؤاد دليلًا

فإن قلت: لا بد من ضَمّ: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟؛ قلت: ذاك معلوم من القاعدة، فتارةً ذكره، وتارةً يحذفه.

فإن قلتَ: أسعدُ أفعلُ تفضيلٍ، وضدّ المخلِص المنافق، وهو لا حظّ له من الشفاعة، واسم التفضيل لا بُدَّ له من مفضّل ومفضّل عليه؟ قلتُ: اسم التفضيل إذا أُضيف، قد يُقصد به الزيادة المطلقة من غير ملاحظة المفضل عليه، كما في: يوسف أحسن إخوته، وما في الحديث من ذلك القبيل.

قال بعضُ الشارحين: أفعل هنا بمعنى الفعيل، أو بمعناه. والمراد أنَّه أسعدُ ممَّن لم يكن بهذه المرتبة، لأنَّ المرادَ بالإخلاص في الحديث البالغ غايته، ولذلك يذكر القلب، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>