من أسعدُ الناسِ بشفاعتك؟) السعادة ضدّ الشقاوة، مأخوذ من الساعد لأنه مظهر القوة، والمراد بها في الحديث: الإعانة على النجاة من غضب الله، والشفاعة: من الشَّفع ضد الوتر؛ لأن الشفيع يضمّ نفسَه إلى نفس المشفوع له في السؤال عن التجاوز، ويكون في الأمور الدنيوية أيضًا، والمشفِع -بكسر الفاء - من يقبل الشفاعة، وتفصيل الشفاعة وكمية عدادها وما يختصّ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك سيأتي في موضعه إن شاء الله.
(لقد ظننتُ يا أبا هريرة أَنْ لا يسألني أحدٌ أول منك) برفع "أولُ" صفة "أحدٌ"، وبالنصب على الحال. قال أبو البقاء: وإنما جاز وقوع الحال عن النكرة، لأنها في سياق النفي، وهو اسم تفضيل استعمل بمن كأنه قال: أقدم منك أو أسبق. قال الجوهري: إذا جعلتَهُ صفةً فلا تصرفه، صماذا جعلته غير صفة صَرَفْتَهُ. وما يقال: إنما نصب؛ لأنه في حكم الظرف لغوٌ من الكلام.
(أسعدُ الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه) الشكُ من أبي هريرة، والخُلُوص: الصفاءُ عن الغش، والمراد بقول: لا إله إلا الله: أعمّ من القول اللساني والقلبي. قال الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جُعل اللسانُ على الفؤاد دليلًا
فإن قلت: لا بد من ضَمّ: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟؛ قلت: ذاك معلوم من القاعدة، فتارةً ذكره، وتارةً يحذفه.
فإن قلتَ: أسعدُ أفعلُ تفضيلٍ، وضدّ المخلِص المنافق، وهو لا حظّ له من الشفاعة، واسم التفضيل لا بُدَّ له من مفضّل ومفضّل عليه؟ قلتُ: اسم التفضيل إذا أُضيف، قد يُقصد به الزيادة المطلقة من غير ملاحظة المفضل عليه، كما في: يوسف أحسن إخوته، وما في الحديث من ذلك القبيل.
قال بعضُ الشارحين: أفعل هنا بمعنى الفعيل، أو بمعناه. والمراد أنَّه أسعدُ ممَّن لم يكن بهذه المرتبة، لأنَّ المرادَ بالإخلاص في الحديث البالغ غايته، ولذلك يذكر القلب، كما