بَلَى. قَالَ فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا وَدَعُونِى آتِهِ. قَالُوا ائْتِهِ. فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ أَىْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى، فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّى لأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ امْصُصْ بَظْرَ اللَاّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ فَقَالَ مَنْ ذَا قَالُوا أَبُو بَكْرٍ. قَالَ أَمَا وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِى لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لأَجَبْتُكَ. قَالَ وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ لَهُ أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا قَالُوا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَقَالَ أَىْ غُدَرُ، أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ
ــ
اللام، وقد تخفف، أي: أبطؤوا. قال ابن الأثير: من بلح الرجل إذا انقطع من الإعياء (خطة رشد) أي: طريق الرشاد (استأصلت) أخذته من أصله (اجتاح) بتقديم الجيم، أي: أهلك (وإن تكن الأخرى) أي: إن كان الظفر لهم (إني لأرى أشوابًا من الناس) جمع شوب؛ أي: أخلاطًا من الناس، ليسوا من قبيلة واحدة ليعتمد عليهم، ويروى أوباشًا. قال ابن الأثير: الأوباش والأشواب: الناس من قبائل شتى (خليقًا أن يفروا) أي: جديرًا (امصص بظر اللات) بصادين مهملتين على وزن انصر والبظر بفتح الباء وظاء معجمة القطعة تقطعها الخافضة من أعلى الفرج عند الختان (لولا يد كانت لك عندي) أي: نعمة سابقة (وجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلما تكلم أخذ بلحيته) أي: بلحية نفسه، دل عليه قوله:(فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب يده بنعل السيف) وكان دأبهم عند المحاورة الأخذ باللحية مؤانسة؛ وإنما كفّ المغيرة يده عن مماس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه مشرك، وأيضًا لم يكن كفئًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كان هذا بين الأكفاء والأقران.
(أي غدر) بضم الغين المعجمة على وزن عمر، معدولة من الغادر (ألست أسعى في غدرتك) -بفتح الغين- المرة من الغدر، وأصل هذا أن المغيرة بن شعبة ثقفي، وكذلك عروة. وكان المغيرة غدر في الجاهلية بثلاثة عشر رجلًا من بني مالك فقتلهم، وأسلم وجاء