الميم قيل: يحتمل أن يكون هذا تعليقًا عن عَمْرو، وليس كذلك؛ لأن التعليق شرطُهُ أن لا يكون مسندًا، وهذا مسند من البخاري، إمّا بالرجال المذكورين إلى وهب أو غيرهم. قال العراقي: إذا قال مسلم: ورواه فلان هذا ليس من التعليق بل من المتصل إسناده، وإنما أراد ذكر تابع رواية، وإذا كان بلفظ الرواية كذلك، فبلفظ المتابعة أولى.
وقوله: إلا ما كان [من] عبد الله، استثناء متصل، أي: إلا عبد الله كما جاء كذلك في رواية أخرى. ولفظ: ما، مصدرية أي: إلا كون عبد الله. وفيه دلالةٌ على جواز كتابة العلم، لأنه كان هن فعل الصحابي في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عدم الإنكار عليه.
١١٤ - (ابن وهب) -بفتح الواو وسكون الهاء- عبد الله (عن عُبيد الله بن عبد الله) الأول: بضم العين على وزن المصغر.
(لما اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ) هذا كان في مرضه الَّذي انتقل فيه إلى جوار الله تعالى (ائتوني بكتابٍ كتب لكم كتابًا) الكتابُ الأولُ أُريدَ به الورقُ الَّذي يُكتب فيه، بقرينة قوله:"أكتب لكم كتابًا". فالنكرة الثانية غير الأولى.
فإن قلت:"أكتب لكم". يدل على أنَّه كان يكتب، وإجماع الأمة على أن الأمي وصفُه لكونه لم يكن كاتبًا؟ قلتُ: قالوا: كان لا يُحسن الخَطَّ على طريقة الكُتَّاب، ولا ينافي أصل الكتابة. أو معناه: أنَّه يأمر بكتابته كقولهم: رَجَم ماعزًا، وحَدَّ شاربَ الخمر. إسنادًا إلى الآمر مجازًا. وهذا أحسنُ من الأول؛ لأن حالَهُ في المرض تأبى مباشرة الكتابة. وسيأتي الكلام في صلح الحُديبية إن شاء الله بتمامه.
(قال عُمر: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غَلَبَهُ الوَجَعُ) أي: شديد الوجع (وعندنا كتاب الله حَسْنًا) فُهم من قوله: "لن تَضِلُّوا بعدي" أنَّه يريدُ تفصيل الأحكام المحتاج إليها، ولذلك عَلَّل بأن كتابَ الله كافٍ. وهذا الكلام يردّ ما يقال: إنما لم يمكن عُمر من كتابة الكتاب، لأنه خاف أن يتكلم بكلامٍ غير مضبوط، كما يتكلّم به بعض المرضى. وسيأتي الكلامُ في موضعه بما يشفي إن شاء الله تعالى، وكيف يتصوّر منه شيء من ذلك، وهو الَّذي لا ينطق عن الهوى؟