وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ لِلْوَرَثَةِ، ثُمَّ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ». وَلَا يَحِلُّ مَالُ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - «آيَةُ الْمُنَافِقِ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) فَلَمْ يَخُصَّ وَارِثًا وَلَا غَيْرَهُ. فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
ــ
(وقال بعض الناس: لا يجوز لسوء الظن به للورثة، ثم استحسن وقال: يجوز إقراره بالوديعة) وهذا تناقض منه. ورُدَّ قوله لسوء الظن به للورثة، بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إيَّاكم والظنَّ). فتعليل أبي حنيفة معارض للحديث، وله أجوبة في فروع الحنيفة.
وجملة القول أن اعتراض البخاري ساقط؛ لأن أبا حنيفة مجتهد بالاتفاق، يجب عليه العمل بما أدى إليه رأيه، سواء كان صوابًا أو خطأ. وهو قول للشافعي، وإليه ذهب الإمام أحمد، وقال به مالك إذا كان متهمًا (فإن الظَّنَّ كذب الحديث).
فإن قلت: الصدق مطابقة الخبر للواقع، والكذب عدمه. فكيف يصح أفعل التفضيل، وأيضًا الصدق والكذب مكان للخبر لا للظن، فكيف وصف به الظن، وأيضًا الوهم أبعد من الصدق؛ لأنه الحكم بالمرجوح. قلت: أجاب بعضهم بأن الظن جعل كالمتكلم فوصف بهما، كما يوصف بهما المتكلم، والمتكلم يقبل الزيادة والنقصان في الصدق والكذب.
فالحاصل: الظنُّ في الحديث من غيره الكذب.
هذا كلامه وليس بشيء فإن أفعل التفضيل إذا أضيف يكون بعض المضاف إليه، فالظنُّ بمعنى المظنون، لأنه أضيف إلى الحديث، فأكثر أفراده يكون كذبًا؛ لأنه يحتمل الخطأ حالًا ومآلًا. وأما الموهوم فلا يرضى عاقل أن يتكلم به فهو ساقط عن درجة الاعتبار.
فإن قلت: المفضل عليه ينحصر في اليقين. فيلزم منه أن يكون الخبر القطعي قابلًا للكذب في الجملة، ولا قائل به؟ قلت: اسم التفضيل إذا أضيف قد يقصد به الزيادة في نفسه، كقولهم: يوسف أحسن إخوته. وما نحن فيه من ذلك.