أي: توضأتُ وضوءًا خفيفًا بين الإسراف والإقتار. قيل: إنما قال: نحوًا مما توضأ ولم يقل: مثل ما توضأ، لأن مثل وضوئه لا يقدر عليه أحدٌ، وهذا الذي قالوه مردودٌ نقلًا وعقلًا؛ أما نقلًا فلِما في رواية مسلم عن عثمان بن عفان أنه توضأ ثم قال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مثل وضوئي، ثم قال: من توضأ هكذا.
وأما عقلًا فلأن الوضوء ليس من الأمور الغامضة، بل هو أمر محسوس وله حد محدود، كيف والصلاة التي هي أعظم العبادات المشتملة على الفرائض والسنن والآداب قال فيها: "صلوا كما رأيتموني أُصلي". واتفق أهلُ البلاغة على عدم التفرقة بين أدوات التشبيه. وسيأتي في رواية ابن عباس: فصنعتُ مثلَ ما صَنَعَ وجاء في رواية البخاري أيضًا في أخر الكتاب (ثم اضطجع فنام حتى نَفَخَ ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة) بالمد أي: أعلمه. والمنادي: هو المؤذن. يقولون: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبُهُ. قد جاء في البخاري في رواية عائشة: قلتُ: تنام يا رسول الله قبل أن توتر؟ قال: "تنام عيناي ولا ينام قلبي" وإذا كان قلبه يقظان فهو ضابط للوضوء، لأن النواقض في حالة النوم لا تتعلق بالعين، ولا هي من مدركاته. وما يروى أنه توضأ بعد القيام من النوم، فلأنه ربما يحصُلُ له الاحتياج إليه بعد القيام من النوم، أو أراد تجديد الوضوء كما هو دأبه في أنه كان يصلي كل صلاة بوضوء كما سيأتي من رواية أنس، ومن قال: إنما توضأ لأنه كان يعلم أنه استثقل نومًا يحتاج معه إلى الوضوء، فقد قال منكرًا من الكلام؛ فإن قوله: "تنام عيني ولا ينام قلبي" شامل لجميع أقسام نومه، ولذلك كان رؤياه في تلك الأحوال كلّها وحيًا.