الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ». فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ وَهْوَ يَقُولُ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِى لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلَاّ خُلَّةَ الإِسْلَامِ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَاّ خَوْخَةُ أَبِى بَكْرٍ». طرفه ٤٦٦
٣٩٠٥ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ قَطُّ إِلَاّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَاّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِىَ الْمُسْلِمُونُ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ. فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِى قَوْمِى، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّى. قَالَ ابْنُ
ــ
الصلاة وبعدها (فبكى أبو بكر، قال الناس انظروا إلى هذا الشيخ) أي: نظر التعجب.
فإن قلت: أين موضع الدلالة على الهجرة في الحديث؟ قلت: قوله (إن من أمَنِّ الناس عليّ في صحبته) فإن فيه إشارة إلى قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة: ٤٠] والمن هو الإحسان لا من المنة المذمومة.
٣٩٠٥ - (بُكير) بضم الباء مصغر، وكذا (عُقيل) روى عن عائشة حديث هجرة أبي بكر ورجوعه في جوار ابن الدَّغنَة -بفتح الدال وكسر الغين المعجمة وفتح النون- اسم أمه، واسمه مالك، والحديث سلف في أبواب الكفالة. ونشير إلى بعض ألفاظه:(لم أعقل أبويَّ إلا وهما يدينان الدين) أي: يعبدان الله بهذا الدين وهو الإسلام، وذلك أن عائشة ولدت في الإسلام (بُرك الغِماد) بالباء الموحدة، وكسر الغين المعجمة، ويروى بكسر الباء وضم الغين اسم واد في أقاصي هجر (والقارة) اسم قبيلة.