أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَيِّى أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِى أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِى مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يُصَلِّى فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ». ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْغُلَامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا لَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ «هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ». وَيَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ
ــ
(فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة) البضع: ما بين الثلاث إلى التسع، وروى غيره أربعة أيام، وكان نزوله على كلثوم بن الهِدْم -بكسر الهاء وسكون الدال المهملة- رجل من بني عمرو وكان شيخ قومه، مات بعد مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام. وقيل: نزل على سعد بن خيثمة، والصواب الأول. قال ابن عبد البر: كان يجلس في بيت سعد بن خيثمة للناس لأنه كان موضع العزاب.
(ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال ابن إسحاق: تجاوزت ذلك المكان ثم عادت فبركت وألقت جرانها (وكان مربدًا للتمر) المِربد: -بكسر الميم وباء موحدة- موضع يجمع فيه الرطب ليصير تمرًا كالجرين للحبوب (لسهيل وسهل) ابني رافع بن عمرو بن عائذ من بني النجار (غلامين يتيمين في حجْر أسعد بن زرارة) الظاهر أنهما كلانا يتيمين قبل ذلك لقوله: (فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغلامين فساومهما المربد) -بكسر الميم الموضع الذي يجمع فيه التمر (فقالا: لا بل نهبه لك) هذا صريح في أنهما كانا بالغين فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقبل الهبة إنما أبى قبول الهبة ليكون الأجر كاملًا كما أبى قبول الناقة من أبي بكر حين هاجر (يقول وهو ينقل التراب هذا الحمال لا حمال خيبر) بالحاء المهملة قال ابن الأثير: كأنه جمع حمل، ويجوز أن يكون مصدرًا، ومعنى هذا الكلام أن هذا الحمل خير من التمر الذي يؤتى به من خيبر، فإن هذه تجارة الآخرة، وتلك تجارة الدنيا، ويروى بالجيم هذا هو الجمال لأنه الموصل إلى كل جمال وكمال إلى آخر الدهر وفيه