وقواعد العربية استقرائية فلا يقدح في ذلك قول النحاة الأبدال أربعة. أَلَا ترى أنهم اتفقوا على أن أوزان الشعر ستةَ عَشَر بحرًا، وقد وُجد في شعر امرئ القيس ما هو خارجٌ عن تلك الأوزان قال:
تخطيت بلادًا وضيعت بلادًا ... وقد كنت قديمًا أخا عزٍ ومجد
نقله السكاكي في عروض "المفتاح".
قال بعض الشارحين: فإن قلت: ما وجهُ إعرابه على تقدير عدم الواو؟ قلت: فيه غموضٌ ثم قال: هو بدل الاشتمال، لأن النحاة لما قالوا بدل الاشتمال شرطه أن تكون الملابسة بغير الكلية والجزئية، إنما أرادوا أن لا يكون الأول كلًّا، والثاني جزءًا. وهذا عكس ذلك, أو هو بدل الغلط، وبدل الغلط قد يقعُ في الكلام الفصيح, ولا منافاة بين الغلط والبلاغة, أو هو بدل الكل من الكل، إذ الطهور مفتاح العبادات والترجل يتعلق بالرأس والتنعل بالرجل فكأنه بدل الكل. هذا كلامه.
والكلُ باطلٌ؛ أما الأول فلأن النحاة نفوا في بدل الاشتمال الكلية والجزئية مطلقًا، سواء كان المبدل كلًّا والبدل جزءًا، أو بالعكس، ولو كان مرادهم ما قاله لمثلوا به، فإنه أولى بذلك لغرابته، ولا يظفر به في كلام أحد.
وأما الثاني وهو قوله: بدل الغلط فغلطٌ فاحش؛ لأن بدلا الغَلَط معناه أن يكون المبدل منه وقع غلطًا، ثم تداركه المتكلم بالمبدل، وعلى ما قاله يلزم أن يكون قول عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره كله. غلطًا منها. وفسادُهُ لائحٌ على أن قوله: بدل الغلط. يقع في الفصيح على إطلاقه غلط آخر، لأن ذلك مشروطٌ باستعمال (بل)، معه ذكوه المحققون من علماء البيان.
وأما الثالث: وهو بدل الكل فبُطلانه ظاهر، لأن مراد عائشة أن التيمن كان شأنه في