قال ابن عبد البر: كان يلقب قيس الرأي، قال: وكان يقول: لولا الإِسلام لمكرت مكرًا لا تطيقه العرب، وكان مع هذا الرأي شجاعًا باسلًا جوادًا قيافًا، وكان من أكبر أصحاب علي، وبيده اللواء، ويقول:
هذا اللواء الذي كنا نخفُّ به. . . مع النبي وجبريل لنا مددٌ
ما ضرَّ ما كانت الأنصار عيبته. . . أن لا يكون له من غيرهم أحد
قوم إذا حاربوا طالت أكفهم. . . بالمشرفية حتى يفتح البلد
ولما مات أبوه وكان قد قسم ماله بين بنيه، فظهر حملٌ، فكلم أبو بكر وعمر قيسًا في ذلك، فقال: سهمي للمولود، ولا أنقض ما فعله سعد بن عبادة، رُوي أنَّه نادى: من يبيع جزورًا بوسقٍ من التمر. فقال أعرابي: من أنت؟ قال: قيس بن سعد بن عبادة، فأتاه بخمس جزائر، فأشهد على نفسه من الصحابة، وقال عمر بن الخطاب: أنا لا أشهد؛ لأنَّ قيسًا لا تمر له، فقال الأعرابي: أنا أعلم أن سعدًا لا ينقض فعل أبيه، فلما بلغ سعدًا وهب لابنه قيس أربع حدائق كل واحدة توفي خمسين وسقًا.
وأما ما نقل أن ملك الروم أرسل إنسانًا مفرطًا في الطول ليباهي بأنَّه لم يوجد في الإِسلام مثله، فطلب معاوية. قيسًا وخلع سراويله فلبسها الكافر، فكانت من قدمه إلى قدميه، وإنْ نَقَلَهُ شيخنا مع أبيات في هذا المعنى ولا يصح نقلنا من بعده لمعاوية وعداوته، وهذا لا يمكن خلافه معلوم عند أهل الفن، كيف وهذا ابن عبد البر إمام الكل قال: لما [سَلَّم] الحسن الأمر لمعاوية يوم قيس المدينة وأقبل وأقبل على العبادة حتى مات بها - رضي الله عنه - وأرضاه، ولما مات علي وترك الحسن الأمر لمعاوية قال قيس -ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم في غزاة علي-: لو شئتم جالدت معكم معاوية، وإن شئتم أخذت لكم الأمان. فقالوا: لِمَ نقاتل، خذ لنا الأمان. فأخذ لهم الأمان ولم يأخذه لنفسه، ولم يكن له شعرة في وجهه، ومع ذلك كان طويلًا، حسن الوجه.