للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ أَيُّهَا الْمَرْءُ، إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إِنْ كَانَ حَقًّا، فَلَا تُؤْذِينَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «يَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ». يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ «قَالَ كَذَا وَكَذَا». قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ، لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ، لَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِى أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ ما رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى

ــ

فإن قلت: في بعض النسخ من المسلمين مرتين في صدر الحديث وآخره؟ قلت: الأولى: عدمه وعلى تقدير وجوده يكون من المسلمين والمشركين والمسلمين بدلًا، وهذا يدل على أن المشركين هم اليهود.

(عجاجة الدابة) بفتح العين والجيم الغبار المرتفع (خمَّر عبد الله بن أبيِّ أنفه) بالخاء المعجمة وتشديد الميم أي: ستر (لا أحسن مما تقول) فعل تفضيل، وقيده بقوله (إن كان حقًّا كادوا يتثاورون) بالثاء المثلثة، أي: يقوم بعضهم إلى بعض قتالًا (فلم يزل يخفضهم) بضم الياء وتشديد الفاء: يسكنهم.

(عبادة) بضم العين ونخفيف الباء (يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب) -بضم الحاء وتخفيف الباء- كنية ذلك الملعون، كناه على طريق حسن أخلاقه، وإنما شكا إلى سعد؛ لكونه خزرجيًّا (لقد اصطلح أهل هذه البحيرة) مصغر بحرة وهي البلد (على أن يتوجوه) أي: يجعلوا له تاجًا على طريقة كسرى وقيصر (فيعصبونه) أي: يولونه عليهم.

قال ابن الأثير: كانوا يسمُّون السيِّد المطاع في قومه معصبًا لا أنَّه تعصب بالتاج، أو لأنه يعصب به أمور الناس، أي: تدار به وترد إليه (شرق بذلك) بفتح الشين وكسر الراء، يقال: شرق بريقه إذا بقي في حلقه ولم يقدر على بلعه وإساغته؛ والكلام على طريق الاستعارة التمثيلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>