ولا عوض. وهذا شأنه {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى: ٢٣](وكان أجودُ ما يكون في رمضان) بُرفع أجودُ على أنه اسم كان، وما: مصدرية، وفي رمضان: هو الخبر أي: أجود أكوانه كونُه في رمضان. وفيه مُبالغة حيث جعل كونه أي وجوده جوادًا، ويجوزُ أن يكون رفعه على الابتداء على أن في كان ضمير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والجملة خبرٌ عنه، أو على البدل. ويجوزُ نصبُه على خبرية كان، هذا وكونه أجود لا ريب فيه عند من طالع سيرته، وأما أجود أكوانه في رمضان فلأنه كان يتخلق بأخلاق الله. ورمضان شهرُ الرحمة، ولله فيه تفضُلٌ على عباده بما لا يتفضل في مخيره، ولذلك فتح فيه أبواب الجنة، وغلّق أبواب جهنم؛ ولأنه كان يلاقيه جبريل في رمضان كل ليلة، ويدارسُه القرآن، فيكون كامل النشاط وافر الأريحية وهما مقدّمتا البذل والجود.
قال بعضُهم: يجوزُ أن يكون المراد من قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة: ١٢] هو جبريل، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتصدق لأنه يناجي جبريل. ولما وَرَد عليه: أن الآية قد نُسخت، أجاب بأن الوجوب إذا نُسخ بقي الندب. وهذا خبطٌ ظاهر؛ لأن صدر الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خطابٌ لمن كان معه؛ فإنهم كانوا يُكْثِرون الكلامَ عليه، فشَرَط على من أراد أن يكلمه أن يتصدق بشيءٍ قبله، على أن جوابه فاسد؛ لأن نَسخ الوجوب لا يستلزم جواز الندب، ألا ترى أن استقبال بيت المقدس كان واجبًا، ولما نُسخ لم يبق الجوازُ فضلًا عن الندب؟
(وكان يلقاه كلَّ ليلةٍ): الضمير المرفوع في يلقاه لجبريل لقوله: (حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن) المدارسة: قراءة القرآن على وجه التناوب. وفائدته: تجويد القراءة، ولأنه أنشطُ من الانفراد.
ومن فوائد الحديث: استحبابُ زيارة أهل الفضل والصلاح، والجد والمبالغة في الإحسان في الأوقات الفاضلة (فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة) وذلك أن الريح مقدمة المطر الذي به النبات والزروع والثمار، ولأن الريح هو الذي ينشئ السحاب الذي منه المطر. قال تعالى {يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}[الروم: ٤٦] وزاد الإمام أحمد في روايته هنا لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه.