(فأستأذن على ربي) وفي رواية أخرى "فأستأذن على ربي في داره" وهي الجنة، والحكمة في أنه يشفع في الجنة دون أرض المحشر؛ لأن الجنة دار الرحمة، وفيها ما تشتهيه الأنفس فيكون أدعى إلى الإجابة. وأما سجدته وقد روى أحمد أنه يلبث في تلك السجدة مقدار سبعة أيام من أيام الدنيا؛ فلأنه أقرب مقاماته عند الله لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب ما يكون العبد عند الله وهو ساجد"، وقد أسلفنا في مواضع أن في الحديث اختصارًا، وذلك أن أول الحديث في الشفاعة في إراحة الناس من الموقف، وآخر الحديث ليس منه إلا أنه يخرج من كان في النار من المؤمنين، وإنما طوى ذكره لأنه معلوم من السياق، وقد روى قريبًا أن الله تعالى بعد شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"يا آدم أخرج بعث النار".
فإن قلت: ما معنى كون نوح أول رسل الله؟ قلت: إن آدم وإن كان نبيًّا إلا أنه لم يكون رسولًا، وتقدم إدريس منه خلاف، أو كان متقدمًا، فالجواب أنه أراد رسولًا عذب قومه أو أنذرهم، وهذه الأمور كلها حقيقة، والأظهر أنه آدم الثاني وأن كل من في الدنيا إلى يوم القيامة من ذريته، وكانت دعوته عامة لكل من في الأرض فلذلك قيل: أول رسول الله، لا يشكل هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الأسود والأحمر"، ولا إشكال لأنا قدمنا أنه لم يبق على وجه الأرض إلا ذريته.
(حتى ما يبقى إلا من حبسه القرآن).
فإن قلت: هذا يدل على أنه كل من يخرج من النار إنما يخرج بشفاعته، وقد جاء في