معه الآتي بالوحي من عند الله (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا).
فإن قلت: ما معنى الجمع في بطن أمه؟ قلت: روي عن ابن مسعود أن النطفة إذا وقعت في رحم المرأة وأراد أن يخلق منها خلق، صارت في أجزاء البدن تحت كل شعرة، وفي أربعين يومًا تستحيل دمًا، وتنزل إلى قعر الرحم، وهذا وإن لم يكن مرفوعًا فهو في حكمه؛ إذ لا مجال للعقل فيه.
(ثم يبعث [الله] ملكًا) أي: بعد أن يكون مضغة (فيؤمر بأربع كلمات) كما جاء في رواية كذلك، وفي بعضها "أربعة" أي: أحكام (برزقه وأجله وشقي أو سعيد).
فإن قلت: المجمل [أربع] والفصل ثلاث؟ قلت: أراد كل واحد من الشقي والسعيد على طريق البدل، وقد سبق في بدء الخلق:"وعمله" وعلى هذا فلا إشكال. وفي رواية ابن حبان في صحيحه خمس:"رزقه وأجله وعمله وأثره ومضجعه" يريد قبره، والسعيد والشقي دخلا في عمله، والأثر إما أن يراد منه ذريته، أو أوصافه من الكرم وغيره، قال ابن الأثير مآثر العرب: مكارمها. وفي بعض الروايات:"ذكر أو أنثى" والكل صحيح، ولا تنافي، زيادة الثقات مقبولة.
قال بعض الشارحين: والعلم بالذكورة والأنوثة يستلزم العلم بالعمل، لأن عمل الرجال يخالف عمل النساء وبالعكس، وهذا الذي قاله فاسد لا معنى له؛ وذلك أن النساء داخلة في أحكام الرجال وخطابهم. قال الله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: ٤٣]، وأما خواص النساء من الحيض والولادة ونحوها فلا لبس فيها.
(وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه غير ذراع) كناية عن غاية القرب باعتبار ما يظهر من الأعمال.