الْجُهَيْمِ أَقْبَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ.
ــ
أبي جُهَيم: بُكير. واتفقوا على أنَّه غلط في الموضعين.
(أقبل النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- من نحو بئر جمل) بالجيم، وفي رواية النَّسائيّ بالحاء: موضع بقرب المدينة (فلقيه رجل) هذا الرجلُ هو أبو جُهيم راوي الحديث. صرّح به الشَّافعيّ (فسلم عليه فلم يردّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- حتَّى أقبل على جدار فمسح وجهه ويديه ثم ردّ عليه) لأنه أراد أن يكون الردّ الذي هو نوع من العبادة على أكمل الأحوال، أو لأن السلام اسمٌ من أسمائه تعالى، فلا يذكره إلَّا وهو على صفة الطهارة.
فإن قلت: فما قولك في حديث عائشة: "أنَّه كان يذكر اللهَ على كل حالٍ"؟ قلتُ: ذاك بيان الجواز، وهذا تنبيه على الأفضل.
وفيه دليل على أن المستحب أن يتيمم للنوافل مثل تلاوة القرآن والاعتكاف، وداع على أن المقيم إذا خاف فوات الوقت له أن يتيمم من باب الأولى. واستدل به من قال: يجوزُ التيمم بكل ما على وجه الأرض من غير التُّراب. ولا دليل له فيه لوجود الغبار على الجدران، على أن في رواية عن أبي جُهَيم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حت الجدار، ثم وضع يده على جدار الغير بغير إذنه.
والجواب بأنه كان جدارًا مباحًا أو لرجل صديق له. كلُّه تكلفٌ، فإن مثله جائز لكل أحدٍ متعارف بين النَّاس، لا سيما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأيّ مسلم يكون في قلبه مثقال ذرة من إيمان يرضى ذلك منه، فديته بآبائي وأبنائي وأمهاتي وما أؤمل من مال ومن نسب.
فإن قلت: دل الحديثُ على أن المقيم يتيمم، فهل يجبُ عليه القضاء أم لا؟ قلتُ: