مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] , لأن الملامسة كناية عن الجماع عند ابن مسعود (فما درى عبد الله ما يقول) أي: في جواب أبي موسى.
قال بعضهم: ربما كان المجلس لا يقتضي تطويل المناظرة، وإلا كان لعبد الله أن يقول: المراد من الملامسة تلاقي بشرتي الرَّجل والمرأة كما ذهب إليه الشَّافعيّ.
وهذا كلام ساقط، وذلك أن قوله:(لو أرخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم) أطول من قوله: المراد من الملامسة ليس هو الجماع ألا ترى قوله في الرواية الأولى: ما درى عبد الله ما يقول، وهذا يدل على أنَّه كان قائلًا بأن الملامسة هي الوقاع كما هو مذهب الكوفيين، ولا يبعد أنَّهم أخذوه منه فإن مدار أكثر فقه الكوفيين على ابن مسعود.
فإن قلتُ: الكلام إنما هو في الجنب الذي لم يجد الماء كما صرح به لفظ الحديث فما وجه قول ابن مسعود: لو رخصنا لهم لكان إذا برد على أحدهم الماء تيمم؟ قلتُ: أراد أنَّهم يقيسون على أن الغزالي ذكر في الإحياء أن من قال في جواب المستدل: لا نسلم، فقال: لم لا تسلم؟ قال: لا يلزمني بيانه لكون ذلك للعلم إلى المانع الحكمي عن المانع الحسي، فهو فقدان الماء بجامع أن كل واحد منهما يمنع استعمال الماء؛ لأن مع المانع وجود الماء كالعدم.
ومن فقه الحديث: جواز المناظرة لإظهار الحق، وجواز الانتقال من حجة إلى أخرى أوضح من الأولى، مبادرة إلى إفحام الخصم كما في قصة الخليل مع الكافر الذي بهت، وليس مثله من الانتقال الذي يعده أهل النظر عيبًا على أن الغزالي ذكر في الإحياء أن من قال في جواب المستدل: لا نسلم صار .. قال: لا يلزم بيانه لكون .... تخفيف.