العاقبة، ولله عاقبة الأمور ليس لأحدٍ اطلاع على شيء من ذلك.
ثم ما يجب تنبيه له: أن ما يقال: إن الإيمان عند الأشعري هو إيمان الموافاة، ليس الأشعريُ منفردًا بذلك؛ لأن الكافر حال كونه كافرًا، لا يقول أحدٌ بإيمانه. والمراد أنه مؤمن في علم الله بموته على الإيمان، وهذا متفق عليه. فظهر أن نسبة إيمان الموافاة إلى الأشعري لاشتهار القول منه، لا لانفراده به. وإلى ما ذكرنا أشار المحققُ التفتازاني في شرحه للمقاصد.
فإن قلتَ: إذا كان التصديقُ هو الإيمان المُنجي، فما وجهُ قول السلف: الإيمانُ تصديقُ الجنان والقول باللسان، والعملُ بالأركان؟
قلتُ: أرادوا به الإيمان الكامل كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (بني الإسلام على خمس) بدليل أنه قال في موضع آخر: "من قال لا إله إلا اللهُ دَخَل الجنة" إلا أن أبا حنيفة قال: إن الإقرار ركن يسقط بالإكراه لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}[النحل: ١٠٦] فمن لم يُقرّ بلسانه مرةً في عمره لا يصحّ إيمانهُ عنده خلافًا للأشعري.
وأما إذا طُولب بالشهادة فأبى فليس بمؤمنٍ عند أحدٍ، وليس هو مجرّد القول كما قالت الكَرَّامِيّة. ولا نفس المعرفة كما ذَهَب إليه طائفة، بل هو معرفةٌ مع الإذعان. ألا ترى كيف سُلب الإيمان عمن صدق ولم يذْعِنْ بقوله:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}[النمل: ١٤].
فإن قلتَ: ما وجهُ قوله: "السعيد يشقى والشقيُّ يَسْعَدُ" مع حديث: "يُكتب في بطن أمه شقيٌ أو سعيدٌ"؟ قلتُ: الأول باعتبار الظاهر فإنه يكون كافرًا ثم يُسْلم، وبالعكس والعياذ بالله. والثاني: بالنظر إلى علم الله، وإلى قوله تعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}[ق: ٢٩].
(وهو قول وفعل) من كلام البخاري. والفعلُ شاملٌ لعمل القلب. ألا ترى إلى قول النحاة: باب أفعال القلوب، وإنما أفرد القول وإن كان الفعل شاملًا له لشيوعه في العرف في مقابلة القول، ولأنه أراد الردّ على الكرّامية كما نبَّهنا عليه آنفًا.