قيل: في قوله: لا أدري إذ ليس في الحديث ما دل عليه، ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - قلت: أما أنه ليس في الحديث ما يدل عليه فممنوع؛ فإن عدم جوابه عن السؤال يدل على عدم درايته، وأما عدم ثبوته عنه فرجم بالغيب لما روي ابن عمر أن رجلًا سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم [أيٌّ] البقاع خير؟ فقال "ولا أدري" رواه الحاكم وابن حبان، وروى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا أدري الحدود كفارة أم لا" رواه الدارقطني، وقد أشرنا مرارًا أن البخاري يشير في التراجم إلى الأحاديث التي ليست في شرطه، ولم يقل برأي ولابقياس، الرأي أعم من القياس لأنه عبارة عن الاجتهاد، ويكون في القياس وغيره كاستنباط الأحكام من النصوص عبارةً وإشارةً ودلالةً، وقوله: لم يقل برأي لا قياس إن أراد أنه لم يجتهد في مسألة قط، ولا قياس في حادثة فلا يصح لأنه اجتهد في أسرى بدر، وقال لمن سألته هل تحج عن أمها:"أرأيت لو أن على أمك دينًا أكنت قاضيته، فالله أحق بالقضاء" وقضية معاذ واستدلاله بقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}[النساء:١٠٥] أيضًا ليس بتمام؛ لأن الحكم في الاجتهاد أيضًا بما أراه الله، وكذا سكوته في الوقائع لا دلالة فيه لأنه ينتظر الوحي ثم يجتهد، وأيضًا ربما كان الأمر مما لا مجال فيه للرأي كمسألة الروح.