٧٥٣٨ - (محمد بن زياد) بكسر الزاي وياء مثناة (لكل عمل كفارة) قال ابن الأثير: الكفارة صيغة مبالغة من الكَفر بفتح الكاف وهو الستر، قلت: استعمله هنا في الجزاء من إطلاق المقيد على المطلق (والصوم لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) قد سلف الحديث في أبواب الصوم، وأشرنا إلى أن الأعمال وإن كانت كلها لله تعالى إلا أن في هذه الإضافة إشارة إلى مزية الصوم، والمختار أن هذه المزية لأن الصوم لم يعبد به غيره تعالى. والخلوف بضم الخاء المعجمة: رائحة الفم المتغيرة، والأطيب عند الله كناية عن القبول، وغاية الرضا، وإفاضته جزيل الثواب، وتصوير على سبيل الفرض.
قال بعض الشارحين: فإن قلت: دم الشهيد كريح المسك، وخلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك، فالصائم أفضل من الشهيد؟ قلت: منشأ الأطيبية ربما كان الطهارة فإنه طاهر والدم نجس. فإن قلت: ما الحكمة في تحريم إزالة دم الشهيد مع أنه نجس ورائحته مساوية لرائحة المسك، وعدم تحريم إزالة الخلوف مع أنه أطيب من المسك؟ قلت: لأن تحصيل مثل ذلك الدم محال، أو لأن تحريم إزالة الخلوف ربما يؤدي إلى ضرر كالبخر، أو لأن الدم واجب الإزالة تنفر منه الطباع شرعًا لا بد من المبالغة في خلافه.
هذا كلامه وفيه خبط من وجوه، الأول: أن رائحة دم الشهيد ليس في الحديث بالنسبة إلى الله، بل لفظ الحديث هذا "يبعث الشهيد يوم [القيامة] وأوداجه تشخب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك" علامة له شرفًا بين أهل المحشر. الثاني: إن قوله: منع من إزالة دم الشهيد لأن تحصيل مثله محال يرد عليه الخلوف، فإن بدله ممكن مع أنه ممنوع من إزالته إلا أنه لم يوجبه لأنه حقه، ولا يرضى عاقل بإزالة ما يكون عند الله بمكان من القبول والرضا. الثالث: أنه لو كان بقاء الخلوف مظنة كما توهمه لم يكن حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن إزالته للضرر إذ لا ضرر في الدين ولا ضرار.