فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لَا تَصْلُحُ إِلَاّ لَكَ. قَالَ «ادْعُوهُ بِهَا». فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْىِ غَيْرَهَا». قَالَ فَأَعْتَقَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَزَوَّجَهَا. فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا أَصْدَقَهَا قَالَ نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ،
ــ
هذا تحقيق المقام. وأشكل على بعضهم فأراد دفع الإشكال فقال: إنما رجع لأنه لم يكن تم عقد الهبة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو المُؤْمنين، والوالد له الرجوع من هبة الولد.
وخبطه ظاهر؛ فإن الهبة تتم بالقبض وكان دحية قد أخذها، والرجوع للوالد هو مذهب الشَّافعيّ ومالك، ورواية عن أَحْمد، وإنما جوزه في الوالد مع الولد، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان أب المُؤْمنين فليس ذلك من كل وجه، وإلا لما جاز له أن يتزوج بنات أولاده.
(يَا أَبا حمزة) -بالحاء المهملة- كنية أنس بن مالك (ما أصدقها؟ قال: نفسها، فأعتقها فتزوجها) اختلف العلماء في جواز كون العتق صداقًا، فذهب طائفة إلى عدم جواز ذلك وقالوا: هذا من خواصه - صلى الله عليه وسلم -، وقال آخرون: ليس في حديث أنس أن العتق كان صداقًا، بل أعتقها وتزوجها. وعندي في هذا نظر، وذلك أن قوله في جواب السائل:(ما أصدقها؟ قال: نفسها) صريح في أن العتق كان هو الصداق، وسيأتي في رواية البُخَارِيّ في غزوة خيبر عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصدقها عتقها، ولا مجال للتأويل فيه، فالحق أن هذا من خواصه - صلى الله عليه وسلم -، كما أن تزوجها كان من غير شهود لما سيأتي في البُخَارِيّ أنَّهم شكوا في أنها من أمهات المُؤمنين، أو مما ملكت يمينه، ولو كان النكاح بشهود لم يقع شك ولم يخفَ عليهم.
(حتَّى إذا كان بالطريق) الباء بمعنى في، أو للمصاحبة (جهزتها أم سليم) تجهيز العروس: فعل ما تحتاج إليه من التنظيف والتزيين، وأم سليم على وزن المصغر أم أنس، وقد سلف الخلاف في اسمها والأظهر فيها سهلة (فأهدتها له) وفي رواية: "فهدتها" قال الجوهري: يقال: هديت المرأة إلى زوجها هداء بكسر الهاء والمد، وأنشد قول زهير: